ونحن نشيد ونحتفل بالزيادات الجديدة فى الرواتب والمعاشات، لا يجب أن ننسى ما كانت عليه الأوضاع منذ ست سنوات، وأن نتذكر جيدا كيف نجت مصر من الإفلاس بعد الفوضى التى تلت ثورة 25 يناير؟
مؤسسات الدولة كانت فى حالة يرثى لها، المصانع متوقفة، السياحة انتهت، تحويلات المصريين فى الخارج متذبذبة، العالم يراقب قناة السويس وسط دعوات لاستخدام مسارات ملاحية أطول وأغلى خوفا من المخاطر، هروب الاستثمارات الأجنبية وتراجع التصنيف الائتمانى للبلد بصورة مستمرة، مما يعنى رفض البنوك الأجنبية والدول التعامل معك أو إقراضك، ولم يعد أمام صانع القرار إلا أن ينفق من الاحتياطى النقدى لسداد فواتير السلع الأساسية حتى وصل الاحتياطى إلى ما دون الخمسة عشر مليار دولار معظمها ودائع وقروض خارجية.
هذا الانهيار الشامل ترافق مع فوضى أمنية غير مسبوقة، ولم تعد مصر ذلك البلد الذى نعرفه، الذى تأمن فيه على حياتك وممتلكاتك وأموالك وأسرتك، ونتذكر جميعا كيف انفتح علينا باب الإرهاب فى سيناء والمنطقة الغربية والدلتا، واستهدف شياطين الإخوان الشرطة والجيش والإعلاميين والمواطنين العاديين بزرع العبوات الناسفة فى الشوارع وأمام دور السينما وجوار المصالح الحكومية، ومن جهة أخرى ازدهرت العصابات المنظمة وغير المنظمة ولم يعد المواطنون يأمنون على حياتهم وسياراتهم على الطرق السريعة ليلا، باختصار كنا شبه دولة تجاهد لتستعيد عافيتها واستقرارها وأمنها.
ينضاف إلى ذلك، نخبة ترى الحل لكل مشاكلها ومشاكل البلد فى الخروج للتظاهر والتنديد بالسلطة الحاكمة ومطالبتها بتحقيق كل أمنيات المصريين، وكأنها تملك عصا موسى تضرب البحر بها فينقسم نصفين!
فى هذا المناخ، تولى السيسى بعد انتخابات رئاسية بأغلبية ساحقة، وفى أول خطاب له، اعتمد الصراحة المطلقة والموجعة، وأوضح خارطة الطريق التى سيعتمدها لانتشال البلد مما هو فيه، وكان أول شروطه للعمل ألا يعمل بمفرده، وأن يعمل معه المصريون جميعهم، لأن الصعوبات كثيرة والتحديات هائلة والطموحات أيضا كبيرة، وكان ما كان من قرارات بمواجهة الإرهاب الداخلى والخارجى فى معركة حاسمة وفرض الأمن على كل ربوع البلاد واستعادة هيبة الدولة، جنبا إلى جنب مع إطلاق المشروعات العملاقة لتوفير فرص عمل لملايين العاطلين، ودفع عجلة التنمية المتوقفة، وإقناع العالم أن مصر لا تسقط، وأنها مازالت قادرة على الصمود والانطلاق من جديد.
وبدلا من الاكتفاء باستعادة هيبة الدولة وضمان شعبية كاسحة تجعله زعيما شعبيا ينافس عبدالناصر، قرر السيسى أن يخوض أصعب المسارات، وأن يفتح الباب الذى فضل الرؤساء السابقون ألا يقتربوا منه خوفا من ثورة الناس أو رفضهم لآثاره المؤلمة، وكان الإصلاح الاقتصادى الضرورى وقرار تعويم العملة الوطنية، منعا لازدواج السعر والمضاربة عليها من ناحية، ووقفا لنزيف العجز فى الموازنة وعزوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار فى مصر.
وأثبت المصريون أنهم أبطال دون استثناء، الفقراء والأغنياء، محدودو الدخل من موظفى الحكومة والقطاع الخاص، أو الميسورين العاملين بالخارج أو أصحاب المشروعات ورواد الأعمال، لأنهم جميعا وقفوا بشجاعة إلى جوار بلدهم فى أكبر عملية تحول اقتصادى فى تاريخها بعد الانتقال غير المدروس فى السبعينيات من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، وتحملوا موجة عاتية من ارتفاع الأسعار فى جميع السلع والمنتجات، فور الإعلان عن تحرير سعر صرف الدولار.
وترافق مع عملية الإصلاح موجات معادية من التشكيك والتهويل وصلت فى بعض المواقع الخارجية والأبواق الداخلية والطابور الخامس، إلى إعلان إفلاس مصر وترويع المواطنين من مستقبل مظلم لا يجد فيه المواطن ما يأكله أو يرتديه أو يحوزه من سلع، ورغم ذلك صمد المصريون فى وجه الغلاء وأمام موجات التشكيك والدعاية السوداء المغرضة، واستطاعوا بالصبر والتحمل امتصاص موجة الغلاء وعبور المرحلة الأصعب من عملية الإصلاح، حتى بدأت النتائج تظهر.
لا يجب أن ننسى أبدا ما كنا عليه، حتى لا نركن إلى الراحة، ونواصل العمل بجد واجتهاد لتحقيق ما نصبو إليه جميعا لهذا البلد ولأنفسنا.