قبل شهرين وفى أواخر فبراير الماضى، كان فايز السراج ورئيس المجلس الرئاسى الليبى، والمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية يبتسمان للكاميرا فى العاصمة الإماراتية أبوظبى، بعد أن اتفقا على إنهاء المرحلة الانتقالية عبر إجراء انتخابات عامة فى ليبيا. وقال السراج إن الاتفاق تضمن ثلاث نقاط تتمثل فى عدم إطالة الفترة الانتقالية، وتوحيد المؤسسات وإنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية هذا العام، وأعلن حفتر جاهزيته لتأمين الانتخابات، لكن فايز السراج زار قطر وبدأت الأمور تتخذ بعدا آخر. وربما تكون هذه الزيارة كافية لتفسيير الصدام الجارى الآن.
كان موقف مصر واضحا تجاه الأزمة، حيث أعلنت مصر بخبرتها دعمها لوحدة الشعب الليبى ومؤسساته، وحذرت من ترك التنظيمات الإرهابية والتدخلات التى صنعت الفوضى. بل إن مصر رعت حوارات ولقاءات، وسعت دائما لتقريب وجهات النظر، تأكيدا على أن الحل لن يكون إلا ليبيا.
ولم يكن اتفاق أبوظبى هو الأول، فقد سبقته اتفاقات ومساع، كانت تدخل فى وضع معلق، وتبدو هناك أطراف لا تريد التئام الفوضى فى ليبيا منذ أكثر من 7 سنوات، بعد أن تدخلت قوات حلف الناتو، وأسقطت النظام فى ليبيا وقتلت العقيد القذافى أو سمحت بقتله، وتركت البلاد للفوضى، وأصبحت ليبيا مجالا لكل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
هنا يمكن تفهم التحرك الأخير للمشير خليفة حفتر نحو طرابلس، وتكفى متابعة قناة الجزيرة القطرية للتعرف على موقف قطر الداعم لاستمرار الفوضى، وكانت قطر وتركيا وراء تمويل عشرات الميليشيات الإرهابية التى لم تتوقف على فجر ليبيا الإخوانية، لكنها وصلت إلى داعش وباقى تنظيمات الحرب بالوكالة، وهو أمر ساعد على نهب بترول ليبيا مثلما جرى فى العراق وسوريا، حيث وصفت قناة الجزيرة الإرهابيين بأنهم ثوار، ولم تعد قطر تخفى موقفها الداعم لبقاء الفوضى فى ليبيا، ولهذا هاجمت متحدثة الخارجية القطرية الإمارات واتهمتها بالوقوف وراء الأزمة، بينما أبوظبى هى التى استضافت اتفاق حفتر والسراج الذى تعثر بعد زيارة الأخير للدوحة.
وحسب قول رئيس قسم العلوم السياسية والمحلل الروسى جيفورك ميرزايان، فإن فايز السراج هو الرئيس الشكلى لطرابلس حاليا، والسلطة هناك تابعة لقوات التنظيمات، وهذا لا يسهم فى إحلال النظام فى البلاد، خاصة عندما يتم تقسيم العاصمة إلى أجزاء، وعند كل نقطة تفتيش يقومون بجمع ضرائبهم، وهناك قبائل أو تنظيمات تفرض سيطرتها على الطرق، «فى إشارة إلى أن السراج لا يسيطر بل، ويحرص على إبقاء الميليشيات، التى تمولها قطر وتدعمها تركيا.
أما مجلس الأمن الدولى، فقد اعرب عن دعمه لجهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لتسوية الوضع فى ليبيا، لكن الموقف المعلن دوليا لا يعكس المواقف والمصالح التحتية. فالأمم المتحدة ومجلس الأمن يعرفان أنهما منحا غطاء تدمير ليبيا، وأن الفوضى الحالية لا يمكن أن تسمح بحل سياسى فى وجود 300 ميليشيا وملايين من قطع السلاح فى ليبيا، وهو ما يجعل إعراب مجلس الأمن «أن العمليات العسكرية الجارية فى ليبيا، تعرض الحل السياسى للأزمة الليبية للخطر»، بينما يعلم أن العملية السياسية ليس لها ملامح، ولايمكن أن تنجح فى ظل وجود كل هذه التنظيمات الإرهابية والسلاح. بل إن حفتر دعا السراج للتوحد معه لمواجهة الإرهاب، لكن هذه الدعوة لم تجد صدى.
فى نفس السياق، هناك مباراة بين إيطاليا وفرنسا، حول النفوذ فى ليبيا، حيث ترى روما ليبيا منطقة نفوذ ايطالية، وحذرت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها فى الشأن الداخلى للدولة الواقعة فى الشمال الأفريقى، فى إشارة إلى ليبيا، حيث ترى إيطاليا أن فرنسا تدعم الجيش الليبى بقيادة حفتر، بينما إيطاليا تسعى لتأكيد نفوذها، بينما الدول الكبرى فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب استبعد قبل فترة أن تتدخل بلاده لدعم الحل السياسى فى ليبيا، بينما روسيا تحرص على إقامة علاقات عسكرية وسياسية مع الطرفين السراج وحفتر.
كل هذا يجعل الوضع فى ليبيا أكثر تعقيدا وتشابكا، لأنه يتعلق بتراكمات وتقاطعات أكثر مما يبدو فى الظاهر.