استضافت قطر مؤخراً اجتماعات الجمعية للاتحاد البرلماني الدولي، وشارك العشرات من رؤساء البرلمانات حول العالم في اجتماعات لم تشارك فيها الدول الأربعة المقاطعة لقطر (المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية) التزاماً بقرار مقاطعة قطر حتى تعود إلى السلوك السياسي الرشيد وتتجاوب مع الشروط التي وضعتها هذه الدول لإنهاء المقاطعة، واحتفت وسائل الاعلام القطرية بهذه الاجتماعات التي عكست نهجاً قطرياً يرتكب الموبقات السياسية والأمنية، ثم يقوم بعمليات يمكن وصفها بعمليات غسل السمعة عبر استضافة فعاليات دولية يتم الترويج لها بحيث يرتبط اسم قطر بمنظومة التعاون الدولي ومؤسساته الفاعلة!
فعلى هامش اجتماعات عقدها برلمانيو العالم في العاصمة القطرية، صدر في أوروبا كتاب جديد يفضح ممارسات قطر في تمويل الإرهاب الإخواني والفكر المتطرف تحت أغطية مختلفة، حيث أكد كتاب "أوراق قطرية"، بحسب ما نشر من مقتطفات منه، أن قطر حولت مبالغ كبيرة إلى أوروبا لأجل دعم 140 مشروعا مرتبطا بتنظيم الإخوان الإرهابي، مشيراً إلى أن الدوحة دفعت مبلغا يصل إلى 72 مليون يورو لفائدة مجموعات إخوانية تنشط في سبع دول أوروبية!
وكما هو معروف، فإن جميع المنظمات الدولية تدرج مكافحة الإرهاب في صدارة سلم أولوياتها، وبالتالي فإن دور قطر في نشر هذه الآفة يثير التساؤلات حول كيفية الجمع بين الشيء ونقيضه في آن واحد؟! إذ كيف لدولة تسهم في نشر الإرهاب والتطرف أن تلعب دوراً ايجابياً في وضع خطط مكافحة هذه الظاهرة حتى ولو من خلال استضافة اجتماعات منظمات معنية بهذا الأمر؟!
قطر تستخدم مثل هذه الفعاليات الدولية وتوظفها في رسم صورة إيجابية عالمية لها، وهذه مسألة واضحة فلا قطر معنية بهذه المنظمات الدولية ولا بعملها وأهدافها.
يدرك الجميع أن قطر لديها أجندة ملتبسة تثير الارتباك في العالم اجمع، فهي شريك استراتيجي في الحرب ضد الإرهاب كما تقول الإدارة الأمريكية، ولكنها في الوقت ذاته تمتلك تحالفاً مع تنظيمات إرهابية، وهي نظام يروج للديمقراطية وحرية الرأي، بل يتخذ منها شعاراً لآلته الدعائية المسماة بالجزيرة، ولكنه يفتقر إلى أدنى علاقة مع الديمقراطية وحرية التعبير في الداخل!
الدول المقاطعة لقطر تحركت ضد قطر يأساً من سلوكها المزودج، الذي لا يمكن القبول به في ظل تفشي الإرهاب وتنظيماته، وتحول هذه الظاهرة على أخطر التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وبالتالي كان من المنتظر أن ينصت المجتمع الدولي لهذه المبررات، لاسيما وأن تصرفات قطر وممارساتها السلبية تطال الجميع، فهذا الكتاب الذي نشر مؤخراً فرنسا وغيره من الدراسات والبحوث والتحقيقات تكشف عن فضائح كثيرة تورط فيها النظام القطري في دعم التطرف والإرهاب!
الحقيقة أن سلوك قطر يعلمه الكثيرون في العالم، حيث يشير هذا الكتاب، على سبيل المثال، إلى إن المخابرات الفرنسية لم تكن غافلة عما تقوم به قطر، ففي إحدى المذكرات، حذرت من تقديم الدوحة دعما ماليا كبيرا لما يسمى باتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، حتى أن الكتاب يشير إلى أن الرئيس الفرنسي السابق إيمانويل ماكرون، قد طلب ضمانات من المسؤولين القطريين، بشأن محاربة تمويل الإرهاب وعدم تقديم دعم مالي سري لأنشطة داخل فرنسا!
هذه الوقائع والممارسات تتكرر ولو بأشكال مغايرة في دول أخرى، فالجميع يعلم حدود تصرفات قطر وأخطارها، ولكن لأن هناك مصالح مالية ضخمة لا يتوانى نظام الحمدين في استخدامها من أجل تحقيق مصالحه، فإن أمور كثيرة تبقى محلك سر رغم أن مجرد الإشارة للنظام القطري بخطأ مسلكه السياسي ربما يكون كفيلاً بتغيير أوضاع كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، التي دفعت شعوبها ودولها، ولا تزال الكثير من أمنها واستقرارها، بسبب ممارسات قطر ودعمها للإرهاب وتنظيماته في دول عدة بالمنطقة.
من هنا تبدو استضافة قطر لمؤتمرات دولية مثار استغراب العالم، وحري بالمنظمات الدولية أن تنأى بنفسها ودورها ومكانتها وهيبتها عن الارتباط بقطر، ولو كان هذا الارتباط مجرد مكان لاستضافة مؤتمر أو فعاليات تعقد بشكل دوري في دول مختلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة