لا نختلف على جهد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة لتخليص المنابر من المتطرفين وسيطرة الوزارة على كل المنابر فى بر مصر، معلوم أن الوزير يخوض حربا لا يقبل المهادنة فيها، سلاحه صحيح الدين، وغايته حماية الإسلام من المتنطعين والمتدثرين بثوبه كذبا وخداعا وتُقية، لكن المشكلة أن بين جمعة ووكلاء الأوقاف فى المحافظات مسافات طويلة فى الجرأة والقدرة على المواجهة، الوزير يواجه بجسارة، بينما وكلاء الوزارة بعضهم لا يملك القدرة على ضبط مديريته، وربما لا يعرف حتى كيف يراقب مساجدها، أو يتابع ما يجرى فيها، الوزير لا يرحم المخالف، بينما بعض وكلاء الأوقاف يتسترون على المخالفين مجاملة أو خشية المواجهة، الوزير يتحدث عن السيطرة على كل المنابر، بينما وكلاء المحافظات يكتفون ببعضها، ومنطقهم، ليس فى الإمكان أفضل مما كان، والعبرة بالمساجد الرئيسية.
قولا واحدا ليست كل المنابر تحت سيطرة الأوقاف، ومن يقل غير ذلك يخدع الوزير، ولو كان الوزير نفسه يصدق أنه دانت لوزارته السيطرة على كل منابر مصر، وأنه لا يصعدها إلا من تقبله الأوقاف أو منحته تصريحا فسيكون مخطئا، ولو كانت هناك لجان سرية تجوب القرى والمراكز، لتأكدت أن كلام الوزير ليس كله مطبقاً وتعليماته ليست نافذة، فالتجاوزات موجودة، والتساهل عرف يحكم رجال الأوقاف فى كل المحافظات، وحادث إمام مسجد فيصل كشف هذه الحقيقة، مسجد الرحمة الذى شهد حادث قتل الإمام طعناً بسكين ليس بعيداً عن وزارة الأوقاف، لا هو فى أحد نجوع الصعيد، ولا فى قرى الحدود، وإنما فى شارع فيصل بالجيزة، على مسافة ليست ببعيدة عن عين الوزير، ومع ذلك صعد إلى المنبر من لا يملك تصريحاً، ولا يحمل موافقة الأوقاف على الخطابة والإمامة، ورغم ذلك، ولولا الحادث المؤلم، لكان التقرير المصدر للوزير نهاية اليوم من مدير المديرية أن «كله تمام» ومنابر المحافظة تحت السيطرة، لكن سكين أستاذ الزراعة الموتور فتح جرح المنابر، وكشف ضعف قيادات الأوقاف، ووضع الوزير المقاتل أمام حقيقة واضحة، وهى أنه يقاتل وحده، بينما بعض رجاله ليسوا على نفس الروح، الأمر بكل تأكيد يتطلب من الوزير أن يُعيد النظر فى بعض قيادات الوزارة، وتحديدا فى المحافظات، والأهم أن يبدأ فى مراجعة كاملة لكل قراراته، ليتأكد كيف يتم تنفيذها، وهل تلتزم قيادات الوزارة بها فعلاً أم يتساهلون فيها ويغمضون العين عن تجاوزات؟ إذا كان الوزير يريد أن يُكمل مشواره فى تطهير المنابر، فلابد أن يُعيد الحسم من جديد، أن يطلق تعميماً واضحاً، الانضباط أو الاعتذار، فالمهادنون ليسوا رجال هذه الفترة، والساكتون عن تطبيق القانون والحسم مع المخالفين لا يصلحون لمهمة القيادة فى وطن يقاتل من أجل حقن دماء أبنائه وحماية المجتمع من الفكر المتطرف والإرهاب الضال.
الوزير عليه أن يُعيد فتح دفاتره من جديد، يُعيد النظر فيمن حوله، ويطلق نوبة صحيان أوقافية جديدة، فالتعليمات الوزارية إن لم تتبعها تنبيهات متكررة ومحاسبة عنيفة يمكن أن تتحول إلى روتين، وما أدراك ما الروتين فى مصر، ورثناه كابراً عن كابر، مبدعون فى الوفاء له، ودهس كل محاولة للقضاء عليه، وفى مديريات الأوقاف الروتين «لابس عمّة» يصعب على الوزير أن يخلعها بسهولة، تحتاج منه جهداً مضاعفاً لسنوات، ليس فقط بالتعليمات، وإنما بالمتابعة الدائمة، والأهم، خلق ثقافة جديدة بين الأئمة والقيادات، ثقافة تقوم على أن الوطن لا يحتمل المجاملة، والدين لا يقبل السكوت عن الحق.
سيادة الوزير.. ليس مطلوباً أن يقع فى كل حى أو قرية حادث قتل أو خناقة؛ لتكتشف أن المنابر أصبحت فى بعض المناطق وسيلة مجاملة، وأن التقارير الورقية ليست دائماً تحمل الحقيقة كاملة، بل أحيانا تحمل خداعاً، ووجود 103 آلاف مسجد وأكثر من 30 ألف زاوية، حسب الأرقام الرسمية تتطلب للسيطرة عليها أفكار غير تقليدية.