أنا من المنتصرين لمشروع «عاش هنا» الذى أطلقته وزارة الثقافة فى القاهرة الكبرى، وذلك لأن التوثيق لحياة المبدعين وما فعلوه وقاموا به ليس رفاهية نقوم بها لتضييع الوقت أو التفاخر بالماضى، بل حافزا قويا على الاستمرارية، وعاملا أساسيا كى يواصل الجميع دورهم وإبداعهم.
والمشروع، كما كتبت عنه من قبل، فكرته ببساطة هى وضع لافتة على البيوت التى عاش فيها كبار مبدعى مصر ومثقفيها ورجالها، هذه اللافتة تحتوى برنامجا إلكترونيا معينا يمكن من خلاله معرفة كل المعلومات اللازمة عن الشخص.
واستطاع جهاز التنسيق الحضارى أن ينتهى حتى الآن من عدد لا بأس به من اللافتات، المهم أن الجهاز لايزال يواصل هذا المشروع المهم، لكن الملاحظ حتى الآن أن هذا المشروع لم يتجاوز القاهرة وربما وصل إلى الجيزة، لكن ليس بالكثافة نفسها، وطبعا لا نريده أن يقتصر على هذين المكانين المهمين فقط، بل على الجهاز أن يحوله إلى مشروع قومى ينتشر فى كل محافظات مصر، لأنه، ولله الحمد، لا تخلو محافظة مصرية من صانعى الحضارة المصرية قديما وحديثا، وكلهم يستحقون أن يكونوا فى مشروع «عاش هنا».
وأتمنى ألا ينسى أحد وأن يكون الأمر قائما على خطة واضحة فى إعداد الأسماء، وألا يتأخر الأمر كثيرا، وأن نرى فى كل شارع لوحة واثنتين وثلاثة، وراء كل منها حكاية إبداعية أو تاريخية تمثل فى مجموعها «مصر» الإنسان بجهوده وفنه الذى يحمل لهذه الدولة مكانتها.
وأتمنى أن توضع اللافتات فى أماكن ظاهرة على المبانى، لا أن تتوارى خلف شجرة أو بجانب صندوق مفاتيح، وأن يكون حجمها كبيرا بعض الشىء حتى تلفت الانتباه، وبالتالى نتمنى أن تكون هى اللوحة الأساسية للشارع لو أمكن ذلك، فيحمل الشارع اسم الكاتب أو الشخصية التاريخية التى عاشت هنا.
وعلى حد علمى، هناك مشروع آخر يعمل عليه جهاز التنسيق الحضارى هو «حكاية شارع»، وهذه المرة سيكون البحث عن الحضارة الجغرافية والتاريخية للمكان، وهى لا تقل أهمية عن الأشخاص، خاصة فى بلد عريق مثل مصر التى تحمل كل شوارعها حكايات وحكايات.
نعم التوثيق سوف يصنع الكثير من الفخر، وسيدفع الآخرين للتساؤل والبحث عن المعرفة، ويتحول إلى حافز قوى لطفل لم يكن يتخيل أن نجيب محفوظ كان جاره أو أن يوسف إدريس كان يمر من هذا الشارع.