من المؤكد أن شئ ما لمس قلبك، وجذب أذنك نحو صوت أصالة وهو قادم بكامل قوته وجماله المعتاد مصحوبا بلحنا موسيقيا مميزا وأصيلا ، ومؤكد أيضا أن الدهشة كانت من نصيبك وأنت تكتشف أن ماتغنيه أصالة ويحمل هذه البصمة الراقية لحنا وكلمات هو إعلان كومباوند شهير.
منذ اللحظة الأولى لإنطلاق أغنية مدينتى بصوت أصالة ، نجح الإعلان فى تحقيق هدفه الأساسى وهو جذب انتباه الناس وأصبحت الأغنية مثارا للإهتمام والجدل، ولما لا وهذا الإعلان اعتمد على موسيقى وكلمات راقية وأداء أوبرالى من فنانة بحجم أصالة فى زمن اعتدنا خلاله على اعلانات المهرجانات والإيحاءات والكلمات الهابطة .
اختيار المعلن "مجموعة طلعت مصطفى" لهذه الأغنية بهذا الأداء الراقى لكى تكون أيقونة إعلان مدينتى فى سباق الإعلانات الشهير بشهر رمضان شجاعة يحسد عليها، ورسالة تؤكد على أن المطور العقارى ليس مجرد مقاول مختص بالطوب والرمل والمساحات الخضراء بل يجب أن يكون صاحب رؤية فى تنمية الحياة والإسهام فى تطوير السلوك البشرى وفقا لظروف البيئة المحيطة ، وهو ماتم تلخيصه فى أغنية مدينتى التى تعتبر بداية لتحسين الذوق العام فيما يخص سوق الإعلانات بعد سنوات من سيطرة أغانى المهرجانات المسلوقة .
مايدهشك أن الضجة التى صنعتها الأغنية منذ يومها الأول، واستقبلها البعض قبولا حسنا على اعتبار أنها تشجع على تحسين الذوق العام للذائقة الإعلانية المصرية التى إعتادت على إعلانات الفتيات الراقصة أو أغانى المهرجانات واجهت حملة سخرية ربما أصبحت مفهومة جيدا فى سياق الأداء العام على مواقع التواصل الإجتماعى فى الفترات الأخيرة الذى أصبح يميل إلى تحقير كل شئ جميل والإستهزاء من كل شئ أصيل لصالح إعلاء شأن قيما مبتذلة .
على مدى 8 سنوات ماضية نجحت السوشيال ميديا بفيسبوكها وتويترها فى النيل من كل شىء، وهز وتشويه صورة كل شىء فى المعادلة السياسية والرياضية والفنية المصرية ، لجان إلكترونية بعضها منظم يعمل لصالح من يدفع أكثر ، وبعضها يعانى من أمراض وتشوهات نفسية لا تحب أن ترى شيئا جميلا وتستخدم السخرية فى نشر القبح ، والحط من قدر الجمال، لذا تسعى هذا اللجان لإحالة مسألة التطوير العقارى والإهتمام بالجمال إلى صراع طبقى حول الإنفاق والملايين، كما تسعى إلى السخرية من كل أغنية جادة وأصيلة لصالح قبح المهرجانات .
هذه اللجان المنتشرة فى مواقع التواصل الإجتماعى سخرت من إعلان مدينتى مثلما سخرت من رموز مصر ومن أثارها ومن نجومها وكأن هدفها الرئيسى النيل من جميل وتشويه الذائقة المصرية ، هذه الطائفة التى تسكن شوارع الفيسبوك وتويتر تعشق ابتذال كل سلاح فى يدها حتى تصيبه بالصدأ، فتفسده على نفسها وتفسده على الآخرين ، وأصبح «القلش» والسخرية هدفًا فى حد ذاته، وبالتالى لم تعد النكتة بنت الواقع أو المعطيات المطروحة وحملوها بمزيج من التجاوزات والألفاظ وقلة الأدب بشكل دفع النكتة للانحراف عن هدفها فى تصحيح الأوضاع وإيقاظ المخطئ بالصدمة.
السخرية ليست جريمة وليست عيبًا، هى سلاح قوى، ولكن ابتذالها وسوء استخدامها يفقدها معناها وهدفها، فرق كبير بين السخرية كأداة مشروعة للنقد والتصويب والسخرية المبتذلة لملئ الفراغ والتسالى، الأولى تحقق هدفها والثانية نتائجها على أرض الواقع صفر بخلاف تدميرها للعديد من القيم والفرص.
الغاية الكبرى من السخرية تحقيق الوعى وإيجاد اليقظة، وهو مالم يتضح فى سخرية بعض رواد السوشيال ميديا من إعلان مدينتى بل كان واضحا أنها سخرية هدفها التشويه ويخبرنا المبدع الإيرانى محمد رضا أصلانى بأن الناقد واجب عليه ألا يخلط السخرية الأصلية بالهزل، والفكاهة، لأن الفرق بين هذه الأنواع كبير وحدها السخرية من بينهم تتكفل برسالة اجتماعية، ولاتنحصر فى مزاح ماجن، أو حتى مزاح طريف».
السخرية الناجحة يا عزيزى يجب أن تکون فارغة من الدوافع الشخصية، والعقد النفسية، بعيدة عن قبح التعبير واللفظ، ويجب أن تستند إلى أساس فکرى وفنى صحيح وقويم، كما يجب ألا يغفل صاحبها، المقتضيات الزمانية والمكانية، کى يصل إلی غاياتها الإنسانية العليا، وإن كنت تسخر أو تتعجب من اختيار أصالة وهذه الأغنية لكى تكون إعلانا لكومباوند، وجب أن تعرف أولا أن كل مكان سكنى سواء كان شارعا أو حارة أو كومباوند هدفه الأساسى الحياة ، العلاقات بين البشر والظروف المحيطة بهم، ومثلما كان لكل شارع وكل مدينة على مدار تاريخ مصر موسيقى خاصة وأغنية تعبر عن أهلها يبدو أمر أغنية أصالة طبيعى فى سياقه.