أولا، وقبل كل شىء، تعالوا نتفق على أن كل ما يتعارض أو يتقاطع مع النص القرآنى، كأنه لم يكن، فكتاب الله المنزل على رسوله الكريم، الأصدق، ولا يرقى إليه الشك مطلقا، والأحق أن يتبع.
وانطلاقا من هذه القناعة، نحاول الإجابة وبشكل مبسط عن السؤال الأهم: لماذا لم ترصد الآثار والوثائق والمخطوطات التاريخية، للشعوب القديمة، خاصة الفرعونية والبابلية، شيئا عن الأنبياء والرسل، بدءا من آدم عليه السلام، ومرورا بالأنبياء إدريس ونوح وإبراهيم، ويوسف وموسى..!!
وما يهمنا بالدرجة الأولى، نبيا الله يوسف وموسى، لأن القرآن وباقى الكتب المقدسة، أشارت إلى قصتهما على أرض مصر، وكيف لسيدنا يوسف، الذى وصل لبلاط قصور الحكم فى مصر، قادما من خلف أسوار السجن، وأنقذ مصر من السنوات السبع العجاف، وأيضا النبى موسى، الذى ترعرع وتربى فى قصور الملك «الفرعون» عقب إلقائه فى «اليم» ثم تلقى رسالته السماوية على الأراضى المصرية..!!
ورغم زخم القصتين فى الكتب المقدسة، فإن الآثار المصرية من معابد ومقابر وتوابيت وتماثيل وأحجار ومخطوطات، طوال الثلاثين أسرة فرعونية، وما بعدها، عقب دخول الإسكندر الأكبر، وفتحه مصر، لم تتحدث لا من قريب أو بعيد عن أى من النبيين، بشكل خاص، أو أى نبى آخر بشكل عام، سواء كان إبراهيم أو يعقوب، وغيرهما من الأنبياء..!!
علماء وخبراء الآثار والتاريخ حاولوا الاجتهاد والإجابة على هذا السؤال المهم: لماذا لم تدون صراحة أو تلميحا أى اسم من أسماء الأنبياء على جدران أى شاهد أثرى وتاريخى، رغم ذكرهم فى الكتب المقدسة، وثراء ما صنعوه من تغيير وتأثير فى الشعوب المختلفة، دينيا وإنسانيا واجتماعيا وسياسيا؟ وتوصلوا فى أبحاثهم العلمية، إلى عدة أمور مهمة، منها:
أولا: أن معظم الشواهد الأثرية والتاريخية المختلفة، متعلقة بالملوك والأمراء والنبلاء، وليس بعامة الشعب، ومن ثم فإن الملوك لا يمكن أن يذكروا على جدران مقابرهم ومعابدهم وتوابيتهم وتماثيلهم ومخطوطاتهم، شيئا عن عامة الشعب، الذين يعاملون معاملة العبيد.
الثانى: أن الأنبياء والرسل، كانوا «معارضين» للملوك وطغيانهم واستبدادهم، لذلك لا يمكن للملك وبلاطه أن يتحدث عن معارضين له، ولا يعترف برسائلهم المقدسة، وترك ديانته من أجل اعتناق ما يدعو إليه يوسف أو موسى وغيرهما من الأنبياء والرسل.
الثالث: بعض الباحثين، يرون أن الملوك الفراعنة يدعون أنهم من نسل الآلهة، إذن كيف لنسل الإله أن يسجل على معابد الديانة وقدس أقداسها، ما يتعلق بالبشر ويتبعون دعوة موسى إلى إله أكبر هو رب العالمين، كما أنه لا يمكن أن يسطر الفرعون طغيانه وظلمه ومطاردته لموسى وأتباعه، لتكون شاهدا يوما على مدى ظلمه وتجبره، وهو أمر ثابت فى القرآن الكريم «إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم إنه كان من المفسدين».
هذه العوامل الثلاث، محاولة مبسطة فى محاولة لفهم لماذا لم تسجل الآثار والمصادر التاريخية، شيئا يذكر عن الأنبياء والرسل بشكل عام، ويوسف وموسى بشكل خاص.
وللحديث بقية، إن كان فى العمر بقية..!!