حتى الآن مازال محمد الجوادى عضوا فى مجمع اللغة العربية، فرغم اجتماع هيئة المكتب وقرارها بإسقاط عضويته، ينتظر الأمر قرارا أهم وخطابا لمؤسسة الرئاسة تمهيدا لتنظيف مجمع الخالدين، لكن الصدمة والسؤال: لماذا يظل شخص محسوب على جماعة الإخوان الإرهابية، ودائم التحريض ضد الدولة ومؤسساتها، الثقافية قبل السياسية، عضوا فى تجمع أو هيئة من هيئات الدولة التى يعاديها؟! خاصة أن المؤسسات الرسمية والأهلية على السواء جزء من النظام السياسى الذى يرفضه هؤلاء الإرهابيون!
يُلقب الجوادى نفسه بـ«أبو التاريخ»، ويرتكب جرائم فادحة فى استعراض وقائع الماضى من منظور الإخوان، بشكل يبدو أحيانا فاصلا كوميديًّا من «أراجوز» أُنيطت به مهمّة تثبيت أعضاء الجماعة وإلهائهم، ويشغل عضوية مجمع الخالدين منذ 2003، ويغيب عنه تماما طوال ست سنوات، ورغم أن المادة الثانية عشرة من قانونه رقم 14 لسنة 1982 تنص على إسقاط عضوية من يتغيّب دورة كاملة، فإن أراجوز الإخوان المُضحك انقطع قبل الدورة 80 ولم يلتفت له مجلس الإدارة إلا فى الدورة 85. وللأسف يتطلّب الأمر قرارا من أمانة المجلس فى اجتماع يُعقد غدا الاثنين، ثم مخاطبة رئيس الجمهورية لإصدار قرار جمهورى بإسقاط العضوية بموجب المادة 22 من القانون.
سنفترض أن الأمور سارت فى مسلك مستقيم، فهذا يعنى أننا فى انتظار أيام أو أسابيع قبل طرد «الجوادى» من المجمع، وهو المنقطع عنه والمُحرّض ضد الدولة والمجتمع طيلة ستّ سنوات، لكن ليت الأمر يتوقّف على تقصير مجلس المجمع وقصور آليات تنظيفه من نفايات الجماعة الإرهابية، فالمُزعج أن التقصير والقصور يُسيطران على عشرات المؤسّسات ضمن بنية النظام السياسى الذى يعاديه الجوادى وأمثاله. وإذا تغاضينا عن بقائه فى مجمع الخالدين، فماذا عن عضويته لهيئة تدريس جامعة الزقازيق ونقابة الأطباء وجمعية أطباء القلب والمجمع العلمى واتحاد الكتاب والمجمع المصرى للثقافة العلمية وغيرها من المحافل والمنتديات؟!
فى أكتوبر الماضى نشرت الزميلة «صوت الأمة» سلسلة موضوعات عن اختراق الإخوان للإدارة المحلية وإطلاق أسماء رموزهم على عدد كبير من الشوارع فى عدة محافظات، ورصدت 12 شارعا باللافتات وخرائط جوجل وبطاقات المواطنين وشهاداتهم، أحدها باسم سيد قطب والبقية لمؤسس الجماعة حسن البنا، فى البحيرة والمنيا والقاهرة والإسكندرية والغربية والدقهلية والقليوبية والمنوفية وبنى سويف. ورغم الصدمة لم تأت المواقف على قدر الاختراق، أو بما يليق بكارثة أن تحتفى الإدارة المحلية بآباء الإرهاب بينما يعيث أبناؤهم فسادا ويفتحون نارهم على الجميع!
من إجمالى تسعة محافظين تحرك قاسم حسين فى المنيا، وهشام آمنة بالبحيرة، الأول أصدر قرارا بتغيير اسم شارع حسن البنا فى مدينة ملوى، والثانى شكل لجنة لدراسة سر عدم تنفيذ قرار المحافظ السابق الصادر فى 2014 بتغيير اسمى شارعى البنا وقطب بدمهنور. أما السبعة الباقون الذين يتولون محافظات مهمة، منها العاصمتان السياسية والثقافية، ويتبعهم قرابة 40 مليون مواطن يُشكّلون خُمسَى تعداد مصر، فلم يُعلّقوا على الأمر أو يهتموا به، أو ينشغلوا بكارثة الاحتفاء بالإرهاب ورموزه، وتجاهلوا مشاعر ملايين المواطنين ممّن رُوِّعوا واهتزّت نفوسهم وقوّض الإخوان إحساسهم بالأمن عقب الإطاحة بهم فى 30 يونيو.
لا أتصوّر أن تكون قطاعات الإدارة المحلية قد تحرّكت فى الشهور الماضية لتدارك الأمر، أو اهتمّت بالتفتيش عن وقائع شبيهة تُمثّل جرائم مفتوحة ضد الدولة وشهدائها وعموم مواطنيها. وبالدرجة نفسها فإن عشرات المؤسّسات الرسمية والأهلية لم تتحرّك لاتخاذ مواقف جادة بشأن آلاف الإخوان وحلفائهم من الجماعة الإسلامية والجهاديين، الذين غادروا مصر عقب ثورة يونيو، واتّخذوا من قطر وتركيا ودول فى أفريقيا وآسيا منصّات للهجوم على مصر وأهلها ومؤسّساتها.
بعض التقديرات تشير إلى خروج قرابة 250 ألفا، حصة كبيرة فيهم من الأكاديميين والمهنيين وموظفى الجهاز الإدارى. وبينما اتّخذت جهات محدودة قرارات جادة بحق منتسبيها منهم، مثل قرار التفتيش القضائى بإحالة وليد شرابى وعشرات من القضاة الذين تبعوه فى دعم الجماعة إلى الصلاحية، فإن أغلب المؤسسات لم تأخذ موقفا جادا للأسف!
قوائم منصّات الإرهاب والتحريض بالخارج تضم أساتذة فى جامعات حكومية، وموظفين بوزارات العدل والتعليم والصحة والإدارة المحلية والمالية وغيرها، وأعضاء بنقابات المحامين والصحفيين والأطباء والمهندسين والصيادلة والطب البيطرى، وعاملين بالإذاعة والتليفزيون، وصحفيين بمؤسّسات وإصدارات قومية. بعضهم تتراكم مزاياه فى الأقدمية ومُدّة الخدمة وما ينسحب عليها من مكافآت ومعاشات تقاعدية، بينما يُوظّفون طاقاتهم فى التحريض والعداء، ويفرحون لأردوغان وتميم أكثر مما يفرحون لأهلهم، بل يتمنّون خراب مصر حتى يعودوا على رمادها!
الإخوان جماعة إرهابية بموجب قرارات رسمية فى 2013. وتلزم المادة 179 من الدستور الدولة بحماية الأمن والنظام العام فى مواجهة الإرهاب، بينما تُعرّف المادة الأولى من قانون مكافحة الإرهاب رقم 14 لسنة 2015 الجماعة الإرهابية بأنها «كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو جهة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل» والإرهابى بأنه «كل شخص طبيعى يرتكب أو يشرع فى ارتكاب، أو يُحرّض أو يُهدِّد أو يُخطِّط فى الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة... أو تولّى قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشترك فى عضوية أى من الكيانات الإرهابية».. وفق تلك النصوص القاطعة فإن الإرهاب يثبُت بحق كل الإخوان وحلفائهم بالخارج، ويتعيّن على الجهات التى يتبعونها التحرّك وتطبيق القانون
لماذا لا تُشكّل وزارة التنمية المحلية لجنة عُليا لمراجعة أسماء الشوارع واختراق الإخوان للوحدات المحلية؟ ولماذا لا تتحرّك الجامعات والمعاهد والنقابات والوزارات والمؤسّسات البحثية والجمعيات والروابط والأندية والصحف القومية لتنقية صفوفها من خناجر الجماعة السوداء؟!.. كيف تخوض الدولة صراعا مُحتدما مع الإرهاب، بينما تُبقى بعض المؤسّسات على جمرته مُشتعلة تحت رمادها؟!.. يحقّ لنا أن نغضب ونسأل ونتشاجر وندعو مؤسّسات الدولة جميعا لأن تنفض يدها من يد الإخوان، وتُطهّر ثوبها من دنسهم، حتى لا تكون عضوا فى فريق الجماعة، وخنجرا فى ظهر مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة