- 4 شروط تجيز الإفطار للطلاب خلال فترة الامتحانات
- سعينا لاتخاذ خطوات جدية نحو إطلاق قمر صناعى إسلامى لتحديد أوائل الشهور وتوحيد الأهلة
عدة سنوات قضاها فى منصبه، نجح خلالها فى إدارة العمل داخل المؤسسة العلمية المهمة بانتظام، وتطوير آلياته، وتوسيع مدى التواصل مع الجمهور، إلى جانب تعزيز التعاون مع الجهات والمؤسسات الشبيهة فى أنحاء العالم، خاصة فى ظل ما تحوزه دار الإفتاء المصرية من ثقل إقليمى وعالمى.
يمتاز الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، بالهدوء والحكمة، ويملك خبرة واسعة ومعرفة علمية وفقهية عريضة، تجعل الجلوس إليه بمثابة حلقة ذكر أو دائرة إفتاء مفتوحة، إضافة إلى أثر تلك الرؤية العميقة فى إدارة دار الإفتاء وتطوير العمل فيها، وخلال لقائنا به أبحر بنا فضيلة المفتى بين العلم والفقه والحياة، مشددا على أن مواجهة الفساد والإهمال واجب قومى ودينى، وأن الطلاب الممتحنين فى شهر رمضان يحق لهم الإفطار بـ4 شروط، كما حدثنا عن المساعى القائمة لإطلاق قمر صناعى إسلامى بغرض استطلاع أوائل الشهور وتوحيد الأهلة بين الأقطار المسلمة، واستعرض معنا تفاصيل رؤية الهلال واللجان المكلفة بهذا العمل ومواقعها.. عن تلك الأمور وغيرها الكثير، كان لنا معه حوار استفاض فيه بلغة عذبة وسمت هادئ، لم تغب عنهما طريقته الإنسانية المعروفة.. فإلى نص الحوار:
شهدنا خلافا مع الحسابات الفلكية فى رؤية هلال شعبان وقبل رمضان فحدثت مناوشات.. هل يمكن الاستغناء عن الرؤية البصرية لصالح العلم؟
رؤية الهلال فى مصر ترتبط بأمرين، علمى وعملى، الأول يخص ما تقرر شرعا بتقديم القطعى على الظنى، أى أن الحساب المؤكد لا يمكن أن يعارض الرؤية الصحيحة، لذا صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية فى العام 1966، واتفقت المؤتمرات الفقهية مثل مؤتمر جدة وغيره، على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، ما يعنى أن الحساب ينفى ولا يثبت، وأنه يُعدّ تهمة للرائى الذى يدّعى خلافه، وإذا نفى الحساب القطعى طلوع الهلال فلا عبرة بقول من يدّعيه، وإذا لم ينف فالاعتماد حينئذٍ على الرؤية البصرية.
ومن القطعى أن شهر رمضان لا يكون أبدا ثمانية وعشرين يوما، ولا يكون واحدا وثلاثين يوما، بل هو كبقية الشهور القمرية، إما ثلاثين أو تسعة وعشرين، وعلى المكلّف فى مثل تلك الحالات أن يضع فى اعتباره أمرين: ألا يزيد شهر صومه على ثلاثين يوما ولا يقل عن تسعة وعشرين، وألا يتعارض ذلك مع الحساب الفلكى القطعى. وإذا رُؤى هلال شوال فى مصر مثلا ولم يُرَ فى بلد آخر، مع اشتراك الرؤيتين فى نطاق الإمكان الفلكى وصحة عدد الأيام، فإن الصائم يتبع حينئذٍ هلال البلد الذى هو فيه صياما أو إفطارا، إذ لا محظور حينئذ من زيادة على الشهر أو نقص فيه أو مخالفة للحساب القطعى.
أما منهج دار الإفتاء فيتمثل فى الرؤية البصرية لأهلة كل الشهور، وليس ما تتعلق بالعبادات الشرعية فقط، للوصول إلى أصوب تحديد لأوائل الشهور الثلاثة ذات الأهمية فى عبادة المسلمين، والرؤية تكون عبر اللجان الشرعية العلمية التى تضم شرعيين ومختصين فى الفلك، وعددها 7 لجان فى طول مصر وعرضها، ترصد من أماكن حددتها هيئة المساحة المصرية ومعهد الأرصاد بخبرائه وعلمائه، تتوفر فيها شروط الجفاف وعدم وجود الأتربة والمعوقا، والدار ملتزمة فى ذلك بقرارات مؤتمر جدة التى لا تخرج عن منهجها فى اعتماد الرؤية البصرية من ناحية، والاستئناس بالحسابات الفلكية الدقيقة من ناحية أخرى.
ما تشكيل لجان الرؤية وطبيعة أعضائها؟
لدينا لجنة دائمة بالاشتراك مع معهد الفلك، تنتشر فى أعلى 5 جبال بـ5 محافظات«مطروح والفيوم وسوهاج وقنا وأسوان»، وتستعين اللجنة بأجهزة رصد، ويبدأ العمل فى وقت غروب شمس، اليوم المحدد فلكيا من قبل معهد الفلك لتوقع ظهور الهلال، إذ تبقى اللجنة فى أعلى النقطة الجبلية لحين إتمام الرصد وتبادل الرؤية بين الشرعيين والفلكيين.
وقد تحدث بعض الصعوبات التى تعيق الاستطلاع، منها وجود عوالق ترابية أو خلل فى أجهزة الرصد، بينما يوجد أعضاء اللجنة فى النقاط الخمسة فى وقت واحد، ويتواصلون هاتفيا للتحقق من مشاهدة الرؤية ووصف حالة الهلال وحجمه، وإلى جانب الاعتماد على الرؤية البصرية المباشرة، فإن الحساب الفلكى يحدد أمرين: مكان نزول القمر وإحداثياته، وكيفية غروبه، وحالات النزول خمسة «قبل غروب الشمس، أو مع الغروب، أو بعد الغروب وقبل الاجتماع بالشمس فى كبد السماء، وفى الأحوال الثلاثة لا يمكن اعتماد الشهر لأنه لم يولد شرعا، والحالة الرابعة أن ينزل بعد الشمس لكن قبل انقضاء 15 ساعة و40 دقيقة من الاجتماع والافتراق بين الشمس والقمر، وفى تلك الحالة لا تنعكس أضواء الشمس على القمر فتستحيل رؤية الهلال، والخامسة أن يغيب بعد غروب الشمس، بشرط أن يكون المغيب بعد 15 ساعة و40 دقيقة أو أكثر من افتراق الشمس، وحينها تثبت ولادة الشهر».
وإذا وافقت الرؤية الحساب على النحو المتقدم، فإن الشهر يثبت بالرؤية، ولم يحدث أى خلاف طوال أكثر من أربعين سنة اتبعت فيها دار الإفتاء تلك الطريقة، ولم يقل أحد إن الهلال موجود فى حين ينفى الحساب الفلكى وجوده، ولم يُكذّب أحد رؤية الهلال فى الوقت الذى أكد الحساب رؤيته.
سمعنا عن التفكير فى مشروع قمر صناعى لتوحيد الأهلة.. هل أخذتم خطوات فى الأمر؟
سعينا لاتخاذ خطوات ملموسة باتجاه إطلاق قمر صناعى، ليكون بمثابة مرصد جوى لاستطلاع الأهلة وتحديد بدايات الشهور القمرية لكل الدول الإسلامية، وتلك الخطوة سيكون لها دور كبير فى إزالة الخلافات المتعلقة بالرؤية الشرعية، خاصة فى رمضان وشوال وذى الحجة، وسيسهم القمر فى نفى احتمالات الشك فى الرؤية، والأهم أنه سيوحد الأهلة بما يقود إلى توحيد أيام المواسم والأعياد الإسلامية.
تتكرر أسئلة الناس لدار الإفتاء سنويا عن المفطرات وحكم قطرات العين والأنف.. هل التكرار تقصير منهم فى معرفة الدين أم تقصير من المؤسسات والدعاة فى تفقيههم؟
الأمر ليس تقصيرا من الأفراد أو المؤسسات، هناك كثيرون يودون التثبت من صحة صيامهم حتى لا يقعوا فى محظور، فهذا من باب الورع، كون الناس تسأل هذا أمر إيجابى، لكن المهم أن يلجأوا إلى المتخصصين عند السؤال والاستفتاء، وعلى الجانب المقابل لا يمكن القول: إن المؤسسات الدينية قصّرت أو تُقصر، بدليل أنها تجيب مرارا وتكرارا عن تلك الأسئلة، وتسعى لتوضيحها بشتى الطرق وفى كل مناسبة مُمكنة.
لدار الإفتاء ثقل عالمى يفرض عليها حضورا واسع المدى.. فما أهم مشروعات الدار المنتظر إعلانها قريبا؟
أعدت دار الإفتاء مجموعة من البرامج خلال 2019، بهدف تصحيح المفاهيم الإسلامية، ومواجهة الإرهاب والتطرف، وتصحيح صورة الإسلام فى الخارج، ومكافحة ظاهرة عداء الإسلام والمسلمين «إسلاموفوبيا»، وتهدف الدار خلال العام الجارى للتوسع فى البرامج التدريبية، وفتح آفاق أوسع، واستهداف فئات جديدة بالتدريب والتأهيل لتخريج مفتين أكفاء وقادرين على فهم الشرع وتنزيل الأحكام الشرعية على الواقع، وبالفعل خرجت الدورات 17 إماما من دول أفريقيا، وتستعد لتدريب 40 إماما من بريطانيا.
وتسعى دار الإفتاء إلى بناء استراتيجية وطنية للتواصل مع العالم الخارجى، وهذا جزء من خطتها للتواصل مع العالم، تستهدف تعزيز الصورة الذهنية للإسلام، وتعزيز قوة مصر الدينية الناعمة بين الأمم والشعوب، وستسعى الدار للتوسع فى تقديم خدمات الفتاوى الشفهية والمكتوبة والهاتفية والإلكترونية، وتيسيرها لكل الفئات، كما ستسعى لاستكمال ما بدأته من إنجازات ومشروعات فى العام السابق، وإطلاق حزمة مشروعات جديدة فى مقدمتها إدارة ومعايير الجودة بمؤسسات الإفتاء، بهدف وضع دليل ووثائق جودة تشمل الأساليب والتعليمات ومناهج العمل مع تحديد المعايير والطرق اللازمة لضبط أداء المؤسسة الإفتائية، وضمان أن تشغيل وضبط عملية الإفتاء يجرى بفاعلية وكفاءة، ووضع مواصفة لقياس تطبيق نظام إدارة الجودة فى المؤسسات والهيئات الإفتائية بما يشمله من قياس تطوير أدوات وأساليب الإفتاء وتلبية متطلبات المجتمع والعمل على التحسين والتطوير الدائمين والمستمرين للارتقاء بنظام إدارة الجودة.
وجاء المشروع فى ضوء ما ظهر من أهمية تطبيق إدارة الجودة، وما تأكد من فوائدها، وفى ضوء خصوصية الإفتاء وما يرتبط بها من مواصفات قياسية، كان من الواجب المبادرة بوضع معايير جودة لمؤسسات الإفتاء، كما وضعت الدار استراتيجية وطنية للتواصل مع العالم الخارجى، وفق رؤية تستهدف تعزيز دور مصر الريادى فى الخارج، ونقل خبرتها فى مواجهة الفكر المتطرف والإسلاموفوبيا، ويمتد تطبيق تلك الاستراتيجية حتى 2021، بالتعاون مع وزارة الخارجية ولجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، ومجموعة من مؤسسات المجتمع المدنى، وعدد من وسائل الإعلام والصحف والقنوات التليفزيونية.
ما هو عنوان مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء القادم؟
بإذن الله ستكون دورة المؤتمر هذا العام حول «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهى»، سعيا إلى تحديد الأصول الحضارية والمعاصرة للتعامل مع الخلاف الفقهى، وتجديد النظر إليه حتى يصير بداية لحل كل المشكلات المعاصرة، وتنشيط التعارف بين العاملين فى مجال الفقه والإفتاء، انطلاقا من الإدارة الحضارية للخلاف الفقهى.
تتزامن امتحانات بعض الصفوف مع شهر رمضان.. هل يحق للطلاب الممتحنين الإفطار شرعا؟
صيام رمضان واجب على كل مسلم مُكلّف صحيح مقيم، والواجبات الشرعية مرتبطة بالقدرة والاستطاعة، فإذا عجز المكلف عن الصوم، أو أصابته منه مشقة لا يمكنه تحمّلها، جاز له الإفطار شرعا، لقوله تعالى «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» «البقرة 286»، وقول النبى «دعونى ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، فالأصل وجوب الصوم على الطالب المُكلّف، فإن شق عليه وتحققت فيه شروط مُعيّنة جاز له الفطر، وتلك الشروط: أن يتضرر من الصوم تضررا حقيقيًّا لا موهومًا، وأن يغلب على الظن أنه سيرسب أو تضعف نتيجته بسبب تدهور مستواه الناتج عن الصوم، وأن تكون المذاكرة ضرورة لا يمكن تأجيلها، وألا يتجاوز فى الإفطار أيام الاحتياج والضرورة للمذاكرة أو الامتحانات وغيرها.
هل توجد مهن فى عصرنا ترخص لأصحابها الإفطار والتعويض لاحقا؟
يجوز الإفطار لأصحاب المهن الشاقة، كالمزارعين والحمالين والبنّائين، ممن يبذلون مجهودا بدنيا شاقا، والسائقين الذين يسافرون مسافات بعيدة تزيد على 80 كيلو مترا، خاصة لو كان الصيام فى فصل الصيف، بشرط أن تكون تلك المهنة مصدر رزقه الوحيد ولا تكون لديه قدرة حقيقية على الصيام.
ومن المقرر شرعا أن من شرائط وجوب الصيام القدرة عليه، والقدرة كما تكون حسية فإنها تكون شرعية، والأخيرة تُعنى الخلوّ من الموانع الشرعية مثل الحيض والنفاس، أما القدرة الحسية فهى الطاقة البدنية، بألا يعانى مرضا يشق معه الصيام مشقة شديدة، أو يكون كبير السن بدرجة تجعله فى منزلة المريض العاجز عن الصوم، وألا يكون مسافرا إذ فى السفر مظنة المشقة، كما قال النبى: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه»، فالسفر مانع من وجوب الصيام وإن لم تكن هناك مشقة، وهذا من رحمة الله بالمكلّفين.
تحدث الرئيس فى عيد العمال عن سوء الإدارة فى بعض القطاعات بشكل يكبد الدولة خسائر فادحة.. ما رسالتك للمهملين وكيف ينظر الشرع إليهم؟
الفساد والإهمال مرض تعانى منه أغلب الأمم فى الوقت الحاضر، ولا بد من وجود وسائل تشريعية وتربوية لعلاج تلك الظاهرة، فمكافحة الفساد والإهمال واجب قومى ودينى، وتكون عن طريق تنمية الضمير والرقابة الذاتية. مصر كلها تسعى إلى اجتثاث الفساد لأنه كان سبب انهيار الأمم على مر التاريخ، وقد أصدرت دار الإفتاء عدة فتاوى فى هذا الشأن، منها تحريم الرشوة والفساد المالى والإدارى، وحرمة الاختلاس والاحتكار وسرقة وإفساد المال العام، وغيرها من الفتاوى التى تبين كيف ينظر الشرع لتلك الأمور الجائرة على حق البلاد والعباد.