محمد الدسوقى رشدى

الشجاعة الأزهرية المفقودة فى الوثائق القديمة

الإثنين، 13 مايو 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تسمح لذاكرتك بأن تخونك، ودقق فى مسيرة الإخوان والسلفيين، وكيف استخدموا بعض الروايات المنسوبة لكتب التفسير والأحاديث لتبرير استخدامهم للألفاظ القبيحة والشتائم غير العفيفة ضد خصومهم، ثم استخرجوا من بطن نفس الكتب بعضا من الأحكام الفقهية والأحاديث، لإجازة قتل الجنود، ثم لعب أهل داعش فى تأويلات بعض الآيات والأحاديث والقصص النبوية لإجازة تجارة الرقيق، وسبى نساء العراق، وذبح المخالفين لهم فى أرض سوريا والموصل، ثم استندوا إلى نفس الكتب والروايات، واستخلصوا من بين سطورها، تأويلا وكذبا، قصصا عن سيدنا أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وعدد من الصحابة، لتبرير وإجازة المنهج الداعشى والإرهابى فى حرق خصومهم.
 
ما ترتفع به الأصوات بخصوص تجديد الخطاب الدينى، وإنقاذ الرسالة السماوية من الأكاذيب والروايات والتأويلات المدسوسة على تفاسير القرآن وكتب السنة النبوية المشرفة، ليس جديدا وليس بدعة، بل هو أمل قديم خاض فيه الأسبقون بشجاعة أكبر، وصدق أعظم، دون بحث عن «شو» إعلامى أو شهرة وتكسّب من ورائه، وكان يتم بشكل بحثى وعلمى منهجى داخل أروقة الأزهر الشريف نفسه، بشكل يدفعك للاندهاش والتساؤل: لماذا توقف قطار التحقيق والاجتهاد والتدقيق الذى انطلق قويا فى الستينيات من القرن الماضى؟!
 
فى وثيقة بحثية أزهرية، أصبحت كتابا منسيا فيما بعد، ربما بسبب شجاعة وجرأة ومكانة كاتبها، وربما بسبب الزمن، ستجد ما يمكنك تسميته نقطة البداية فى تجديد الخطاب الدينى، نصا بحثيا للشيخ الشهيد الدكتور محمد حسين الذهبى، الذى عمل أستاذا فى كلية الشريعة جامعة الأزهر، ثم أستاذا فى كلية أصول الدين، ثم عميدا لها، ثم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية فى إبريل عام 1975، ثم أصبح وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر حتى نوفمبر 1976، قبل أن تمتد يد الإرهاب والتطرف إليه، وينال الشهادة بعدما اغتالته جماعة التكفير والهجرة.
 
 وثيقة الشيخ الذهبى كانت واحدة من مجموعة بحوث اقترحها مجلس البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف فى جلسته المنعقدة بتاريخ 16 يناير 1968، ليتدارسها العلماء فى مؤتمرهم الرابع، ويُسهم بها الأزهر فى إحياء ذكرى مرور أربعة عشر قرنا على نزول القرآن الكريم، وكان سبب نشرها، كما قال الشيخ الذهبى فى مقدمة بحثه، أن الأزهر هو المنارة الشامخة التى أقامها الله فى أرض الكنانة، لترشد الناس إلى معالم الدين القويم، ومن واجبه أن يكشف للناس هذه الدسائس والروايات المكذوبة فى كتب التفاسير والأحاديث والسيرة، خصوصا فيما يتعلق بقصص الإسرائيليات التى دسها أعداء الإسلام عليه، ولقيت لدى كثير من العامة وبعض الخاصة رواجا وقبولا.
 
بشجاعة نفتقدها الآن من بعض رجال الأزهر، وكثيرين من شيوخ الدين الذين يُقدمون أنفسهم رموزا للاستنارة والاجتهاد والاعتدال، يقول الشيخ الذهبى: «غير أن القرآن على صفائه ونقائه، والسنة على سلامتها وصحتها، لم يسلما من عبث العابثين، فإذا بالقرآن وقد تسربت إليه أفهام سقيمة، وشُرح الكثير من نصوصه بما لا يتفق والغرض الذى نزل من أجله، وإذا بالسنة وقد تطرق إليها الدخيل، والتبس الصحيح منها بالعليل، وكان الدافع لهذا كله أغراضا سيئة، وأحقادا ملأت قلوب الحانقين على الإسلام والمسلمين«. هذا الاعتراف الوارد فى تلك الوثيقة الأزهرية، بتلك الشجاعة، على قدر ما يثيره فى نفسك من غضب وحسد لأن شيوخ الزمن الماضى كانوا أهل شجاعة وقدرة على الاعتراف والاجتهاد وخوض المعارك من أجل سلامة الدين والمجتمع، يمثل اعترافا يدعم الأصوات التى تطالب بضرورة المضىّ قدما فى تجديد الخطاب الدينى، معتمدين على منهج علمى دقيق فى البحث والتحقيق والتقصى، من أجل تنقية تراثنا الإسلامى مما دُسّ عليه من روايات مكذوبة أو تأويلات وشروح وتفاسير غير صحيحة، وُضعت لأغراض أصحابها، ويستغلها أهل التطرف والتخلف الآن فى غير الصالح العام، وفى ذلك يقول الشيخ الذهبى: «وكان أئمة الضلال، ورؤوس الفساد والإفساد، عبدالله بن سبأ اليهودى، الذى تبطن الكفر والتحف الإسلام، وتظاهر بالتشيع لآل البيت، خداعا منه واحتيالا على بث سمومه وأفكاره الخبيثة بين المسلمين، وكان من بين المسلمين للأسف فريق شارك فى هذا العبث، على اختلاف بينهم فى دوافع ذلك وبواعثه.
 
فعن تنطّع وورع كاذب، وضع أبوعصمة نوح بن مريم أحاديث فى فضائل السور لا أصل لها بالمرة، وعن جهالة وغباء استباح بعض الكرامية وضع الأحاديث فى الترغيب والترهيب، وعن ضلالة وتزلف للأمراء روى غياث بن إبراهيم حديث: «لا سبق إلا فى خف أو حافر أو نصل»، وزاد فيه من وضعه: «أو جناح» وذلك إرضاء للخليفة المهدى حين دخل عليه فوجده يلعب بالحمام.
 
وعن غفلة وسذاجة، أو لمجرد الشغف بالقصص وما فيه من أعاجيب تستهوى العامة، أدخل بعض المفسرين فى تفسير القرآن الكريم كثيرا من القصص الإسرائيلى الذى لا يُقبل عقلا ولا يصح نقلا، وأسندوا ذلك- كذبا واختلاقا- إلى بعض الصحابة، بل ربما رفعوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة