سيطرت سيرة البيض على العالم الافتراضى خلال شهر رمضان، من عدة أبواب وزوايا، ربما أقلها كانت فاتورة نشرها أحد المتسحرين وتحولت إلى موضوع لنقاش «ساخن مقلى ومسلوق» شغل نسبة ليست قليلة من اشتباكات فيس بوك وتويتر، ربما لأن الدراما والمسلسلات هذا العام لم تكن كافية لملء الفراغ المناقشاتى بين كبار «المفيسين والمتوترين» على صفحات التواصل الانفصالى.
كان البيض عنوانا لمناقشات الفواتير والجدل بين أصحاب نظرية «سيلفى وشير هى أصل المتعة»، حيث يحرص قطاع واسع من الافتراضيين على تسجيل لحظات الأكل والشرب والفسح، وتكون متعتهم ليس الخروج أو تبادل الدردشة ولقاء الناس، لكنه التصوير بكل الأوضاع، ولهذا كان نشر فاتورة السحور فى مطعم سياحى، مقدمة لجدل بين أنصار «ما هذا، وأنصار ماذا فيها».
حيث يرى الفريق الأول أن الأسعار مبالغ فيها جدا، وأنها تعبر عن «طبقية»، بينما الفريق الثانى يرى أن كل واحد «على قد لحافه يمد رجليه»، وأن نشر هذه الفواتير ما هى إلا استعراض وفشخرة، وأن كل واحد يختار المكان الذى يريحه من ناحية السعر أو الطعام، ثم إن المتعة فى الطعام وليس فى المكان، بينما يرد الفريق الأول بأن الكافيهات والمحلات الجديدة تبالغ فى الأسعار وتلعب على جهل بعض الزبائن، ويفترض أن تكون هناك رقابة ومتابعة.
لكن الموضوع تشعب إلى طرقات أخرى بسبب البيض، وبسبب التسميات الافتراضية الترويجية للأكل المصرى التقليدى وتحويلها إلى أسماء خواجاتى بحروف تتناسب مع الهيبة والسعر العالمى.
وهو نوع من التسويق يخاطب فئة من المواطنين تحب أن تشعر بتميز إضافى، باعتبار أن من يمتلك ملايين لا يفترض أن يأكل نفس الأكل الذى يتناوله أمثالنا من محدودى الدخل، وهو ما انتبهت له أفكار التسويق، لتشبع رغبات الشعور بالتميز و«القيمة المضافة» لبعض الأثرياء الجدد وليس كلهم.
والموضوع ليس فقط البحث عن البيض المدحرج، أو الـ«إيج المزفلط»، فالواقع أن المصريين عموما برعوا فى توظيف «البيض» للتعبير عن آرائهم فى الأحداث والأشخاص والأعمال، يقولون إن فلان «هيبيض» تعبيرا عن شدة الانتظار لشىء أو منصب، أو يرون الرجل التافه أو المدعى لخفة الدم أو يحشر نفسه فى أى مناسبة أو مع أى شخص، بأنه «بيض».
وهناك التوظيف التعبيرى للبيض، واستعمال البيض نقديا، فتجد من يصف فيلما أو مسلسلا أو ممثلا أو مسؤولا بأنه «بيض»، وفى بعض الأحيان يتم إطلاق وصف «بيض ممشش» على كثير من أعمال درامية مسلسلات وبرامج تدعى أنها فكاهية أو كوميدية، ويكون ثقل الدم عاملا مشتركا، فضلا عن نحت الإفيهات والتعبيرات وسرقة الأفكار الدرامية السخيفة.
والخلاصة «أن بيض» كثيرا ما تلخص الموقف النقدى ورأى الجمهور فيما يعرض ويكون سخيفا، ولا يتوقف «البيض» على الدراما والمسلسلات لكنه يمتد للسياسة، حيث يوصف بعض المنافقين والمشتاقين بأنهم بيض، بل إننا خلال السنوات الأخيرة أصبحنا أمام كمية هائلة من الزعامات «البيض» التى يسود فيها الصفار على البياض.
ولكل هذا فليس غريبا أن نجد الكثير من الناس تدس أنفها فيما لا يعنيها، ويمكن اعتبارهم نوعا من البيض، ومع هذا فإن العالم الافتراضى يتحمل كل الأنواع من البشر سواء العاديين أو البيضيين، وعلى المواطن العادى أن يتحمل الافتراضى، ويتعلم العيش فيه بواقعية ليتعامل مع العادى والبيضى.