رغم تراجعه إلى صفوف المعارضة وتآكل مساحته التاريخية اللامعة فى المشهد السياسى، فإنه يظل حزبا غير عادى، لا يشبه غيره من أحزاب الساحة، فـ«الشعب الجمهورى» ليس مجرد حزب تركى عادى، وإنما يمثل تاريخ تركيا الحديث واستقلالها وقيمها العلمانية، ويُمثل رسالة أتاتورك نفسه.
نجح الحزب أواخر مارس الماضى فى تحقيق فوز غالٍ بانتزاع مرشحه أكرم أوغلو رئاسة بلدية اسطنبول، التى تمثل أهم مدن تركيا والبوابة الذهبية للوصول إلى قمة هرم السلطة، لكن الهزيمة أحدثت صدمة كبيرة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وداخل حزبه «العدالة والتنمية»، وبينما كان متوقعا ترجمة الصدمة فى صورة حركة ونشاط واشتباك مع عمدة اسطنبول الجديد، لجأ أردوغان إلى الخيار الأسهل والأقل نظافة، بممارسة ضغوط شرسة على لجنة الانتخابات واستصدار قرار بإعادة التصويت على رئاسة بلدية اسطنبول أواخر يونيو المقبل.
المشهد الآن أقرب إلى انقلاب سياسى ناعم على الديمقراطية، يمارسه أردوغان بحق كل الأتراك، الأحزاب والمواطنين، لكنه يطال أول ما يطال حزب الشعب الجمهورى، أكبر الأحزاب المعارضة وأقدمها وأبرزها وحامل اسم مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. عن تغول أردوغان وضغوطه لسرقة اسطنبول، وعن رؤية حزب الشعب الجمهورى للمشهد السياسى ومستقبل الصراع، التقينا دانيز شام أوغلو، عضو المجلس المركزى للحزب، وكان لنا معه هذا الحوار..
فى البداية.. لماذا ضغط أردوغان على لجنة الانتخابات لإعادة التصويت على بلدية اسطنبول؟
لم يكن الأمر مفاجئا، وضغوط أردوغان تعود إلى سببين، الأول خوفه من فتح ملفات الفساد فى بلدية اسطنبول، والثانى العُرف السياسى بأن من يحكم اسطنبول يكون فى طريقه إلى حُكم تركيا، وتلك النقطة ليست مقولة اعتباطية أو مأثور شعبى أو تميمة للتفاؤل وحسب، وإنما حقيقة قاطعة فى ضوء عدد ناخبى اسطنبول البالغ 15 مليونا من إجمالى 55 مليون ناخب فى كل تركيا، ما يعنى أن من يحوز رضا سكان اسطنبول يمكن أن يكون طريقه ممهدا بأصواتهم للوصول لرئاسة تركيا.هل يمكن القول إن شعبية «العدالة والتنمية» تتراجع فى الشارع التركى؟
بالقطع، لم تعد شعبية الحزب كما كانت، بدا الأمر واضحا فى الانتخابات، وزادت حدّته عقب القرار المتغطرس بإعادة انتخابات بلدية اسطنبول، وما زالت شعبية «العدالة والتنمية» فى تراجع يومى مستمر لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة.
ما انعكاسات قرار إعادة الانتخابات على الشارع وقوى المعارضة؟
نتوقع أن يُنتج القرار آثارا سلبية للغاية على أردوغان وحزبه، سيكون الأمر بمثابة عقوبة مستقبلية ضخمة لأنه تحدّى الديمقراطية وانتهك الحياة السياسية وأصوات الناخبين.
هل يمكن أن يحسم حزبكم انتخابات اسطنبول الشهر المقبل؟
فعلناها من قبل، ونستطيع أن نفعلها مرة ثانية خلال الشهر المقبل، إضافة إلى الأثر الشعبى الناجم عن قرار إعادة الانتخابات، والذى نتوقع أن يزيد معدلات التصويت لمرشح الحزب، ونعتقد أن المواطنين الأتراك باتوا راغبين ومتطلعين بقوة لإنهاء فكرة الحزب المهيمن على كل مؤسسات الدولة.أزمات تركية الاقتصادية تخص أوضاعا دولية أم سياسات فاشلة؟
كل أزمات تركيا تخص أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فقد اعتمد الحزب الحاكم منذ توليه السلطة على التوسع فى المشروعات الخدمية على حساب مشروعات الإنتاج وتدبير فرص العمل، وقد أدى الإفراط فى تلك المشروعات والاستدانة من أجلها إلى ارتفاع كبير فى الديون، وإهدار ضخم للمال العام، وهو ما حذّر منه حزب الشعب الجمهورى لكن النظام لم يلتفت.وكيف تقيّمون إدارة أردوغان للمشهد السياسى والتنفيذى؟
ما يفعله أردوغان سيطرة على المشهد وليست إدارة له، فأردوغان يعتمد مبدأ الرجل الواحد، وليس حتى الحزب الواحد، ولذا فإنه يقبض على كل الأمور ويستبعد الجميع، ومنهم شخصيات مهمة جدا من داخل حزبه نفسه، وباختصار يُفضل هذا الرجل مصلحته ومصالح مجموعته الضيقة على تركيا ومصالحها.ما سر إصرار أردوغان على إيواء المتطرفين وعناصر الجماعات الإرهابية فى إسطنبول؟
بالتأكيد يرى أنهم يحققون له أجندته، المشكلة أن تركيا حاربت الإرهاب منذ ثمانينيات القرن الماضى، وكان توجهها واضحا وقتما وضعت مصالحها فوق كل اعتبار، لكننا الآن نبدو متخبطين ونقبض على النار.. تخبط الإدارة السياسية والتدخل فى شؤون بلدان أخرى فتح الباب لوصول آلاف المتورطين فى أعمال عنف ببلادهم إلى تركيا، وهو الأمر الذى يهدد الاستقرار والأمن الآن وفى المستقبل.هل يمكن القول إن نظام العدالة والتنمية قد يشهد ثورة شعبية قريبا؟
ما زالت مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، متينة وراسخة للغاية، لذا من غير المتوقع أن يتطور الأمر إلى الإطاحة بأردوغان عبر ثورة شعبية، لكننا نعتقد أن إنهاء حكمه سيكون عبر الوسائل الديمقراطية التى يكفلها الدستور.هل يتوقع رموز الشعب الجمهورى بقاء أردوغان فى السلطة طويلا؟
إذا كنا نرى أن حكمه سينتهى بالآليات الديمقراطية والدستورية، فإننا نعتقد أن هذا لن يطول أو يبعد كثيرا.. نرى أن رغبة الشارع التركى تتجه لإنهاء التخبط الاقتصادى والسياسى، وهو ما قد يطيح بأردوغان فى الانتخابات الرئاسية المرتقبة بحلول العام 2023.بمرجعيتكم العلمانية.. كيف ترون استغلال الرئيس التركى للدين؟
فى حزب الشعب الجمهورى نعتبر الدين مسألة شخصية، وتعاليم ورسائل تربوية وأخلاقية لرقىّ المجتمع، ونوقن تماما أنه لا يمكن إقحام الدين فى السياسة والدولة، أو العكس، لأن ذلك ليس فى صالح أى منهما. ومن المبادئ الأساسية التى اعتمدها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك أن ننأى بالدين عن السياسة، ونقى الأخيرة أهواء رجال الدين، ونعتقد أن إقحام أردوغان للدين فى السياسة إساءة للدين قبل كل شىء.بماذا يفسر «الشعب الجمهورى» توظيف أردوغان لتيارات الإسلام السياسى وكيف يرى مخاطره؟
أردوغان يوظف التيارات الإسلامية لتحقيق مصالح سياسية إقليمية، وتغذية طموحه الشخصى بالزعامة، والخطر المزعج أن تلك التيارات معروف عنها الارتباط الدائم بقوى خارجية تمولها أو توجهها.كيف ترى سياسة أردوغان وتحركاته فى الملف السورى؟
تركيا تملك أطول شريط حدودى مع سوريا، والمؤكد أن استقرار الدولة السورية مهم للغاية بالنسبة لاستقلال تركيا، لكن هناك قوى كثيرة تتنازع، وبينها أردوغان والفصائل الدينية المؤتمرة بأمره، والأمر لا علاقة له بتركيا ومصالحها وإنما بمصالحه الشخصية هو ورجاله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة