محمد حبوشه

"دنيا ومى وخاطر" ثلاثى قادر على الضحك!

السبت، 18 مايو 2019 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هنالك أربع قواعد أساسية لكتابة الكوميديا، أولها: كونك تقول أشياء مضحكة لا يعنى أنك يمكن أن تكتب أشياء مضحكة، فكتابة الأشياء المضحكة مختلفة كلياً عن قول أو فعل الأشياء المضحكة، والقاعدة الثانية: أن يكون لديك قصة قوية من دون الكثير من الضحك أفضل من قصة ضعيفة مع ثلاثة نكات فى كل صفحة، فالكوميديا تتعثر كثيراً بسبب القصة الركيكة أو الحبكة الواهية.
 
والقاعدة الثالثة: يمكن لرأسين أن يفكرا أفضل من رأس واحد، فإن كنت كاتب سيناريو رصين وموثوق وفاهم ومتقن لكتابة تفاصيل السيناريو من بناء ونسج وفصول وشخصيات وحبكات، فقد تظل هناك مشكلة واحدة فقط : (أنك غير قادر على كتابة سطر مضحك كحوار)، حينها يجب أن ترافق شخصاً من نوع خاص، شخصاً ذا شخصية متقدة، لديه القدرة على كتابة النكات، وابتكار القفشات الجديدة والمضحكة، ومرحاً طوال الليل والنهار، أما القاعدة الرابعة لكتابة مضحكة: اعرف نوع أسلوبك الكتابى، نعم عليك أن تعلم ما هى نوع الكوميديا التى تكتبها، وليس من المهم أن تكون مضحكاً بالدرجة التى كان عليها الأشخاص الذين ذكرناهم.
 
وبالنظر إلى تلك القواعد الأربعة ومدى انطباقها على كوميديا رمضان لهذا العام سوف نكتشف حجم المشكلة الناجمة عن العيوب الفنية الكامنة فى كثير من الأعمال المعروضة على الشاشات حاليا، فالغالبية العظمى تفتقد لأسلوب الكتابة الفكاهية الصحيحة التى يمكن أن تجلب السعادة، ولعله من غير السائد لأكثر متابعى الكوميديا عدم معرفتهم بأن الإضحاك ليس شرطا لوجود الكوميديا، كما أن كلمة "كوميديا" لا تفترض دائما وجود الضحك، لأن فهم المضحك تدخل فيه اختصاصات متنوعة مثل الفلسفة والأنثربولوجيا وعلم النفس التحليلى، وهذا ما دفعنى إلى الكتابة عن فن الكوميديا الرمضانية الحالية فى ظل ما نجده من سخف وثقل الظل فيما نسميها المسلسلات الكوميدية، وغايتى فى ذلك هى إن ضحايا التليفزيون من حقهم أن يستمتعوا بأعمال فينة تخفف عنهم مشاكلهم وتبعث البهجة فى أنفسهم، لكن للأسف يصابون بالإحباط وخيبة الأمل مما تعرضه عليهم بعض القنوات الفضائية.
 
لكن على أية حال وعلى الرغم من الضعف الشديد فى تكنيك الكتابة الكوميديا خلال الأعوام التى تلت 25 يناير 2011، يبقى عنصر الأداء هو المعيار الحقيقى لنجاح المسلسل الكوميدى، وأبرز المبدعين فى لوحة رمضان هذا العام ثلاثة هم "دنيا سمير غانم - مى عز الدين - مصطفى خاطر"، ونأتى للأولى وهى النجمة "دنيا سمير غانم"، والتى تقدم لنا هذا العام مسلسلا مختلفا عما قدمته من قبل، أو يقدم فى رمضان 2019، فهو ليس مسلسلا واحدا طوال 30 يوما، بل كل 10 أيام تعرض قصة منفصلة بأبطال مختلفين، لذا يحمل المسلسل عنوان "بدل الحدوتة 3"، وربما كان ذلك سر تميزها، بحيث أصبح ينظر إليها حاليا على أنها كوميديانة من طراز رفيع بما تملكه من موهبة تملك القدرة على صناعة مشاهد كوميدية يمكنها أن تجلب المتعة على قدر ضعف الورق.
 
ومن خلال ملاحظتى لأدائها فى "بدل الحدوتة 3" يمكننى القول إن "دنيا سمير غانم" هى من ذلك النوع الذى يعتبر التمثيل حالة وجدانية تفرزها موهبة جادة، وبحكم أن الفنان كتلة من المشاعر والأحاسيس والانفعالات فإن تلك الموهبة تشكل قاسم مشترك لتلك الحالات الفسيولوجية التى تساعد فى نموها بشكل استطرادى فى أداء الشخصيات على النحو المطلوب، ولا يمكن الوصول إلى مستوى يمكننا من خلاله أن نطلق هذه الصفة على أين كان؟، إلا إذا توفرت الموهبة الحقيقية التى تؤهله بأن يكون كذلك.
 
دنيا تملك موهبة وقدرة وإمكانيات أوجدها الله بداخلنا، وتم اكتشافها مبكرا، لكنها على ما يبدو احتاجت إلى عملية اهتمام وصقل عن طريق الدراسة والثقافة والاطلاع الذاتى، كما ظهر لنا فى تنوع أدائها من عمل إلى آخر، سواء كان على مستوى الكوميدى أو التراجيدى، وهو ما يؤكد إن العملية الإبداعية الحقيقية لدى "دنيا سمير غانم" هى نتاج واضح لقدرات يفرزها الممثل الذى يسعى دائما إلى تطوير نفسه بكل السبل، والذاكرة هى إحدى العوامل التى تعتمد عليها كممثلة فى تنمية قدراتها كونها المورد الذى تستلهم منه إمكاناتها الذاتية فى الأداء، فالذاكرة بالنسبة لها هى الوعاء الذى يحمل الكم الهائل من المعلومات التى تمدها بطاقة انتقاء الأدوار العادية والمركبة بحرية مستغلة حواسها وعواطفها وانفعالاتها فى إظهار عاملى الخلق والإبداع.
 
ولأن الممثل لا يستطيع العمل بمفرده بل يحتاج إلى كاتب يقدم له الشخصيات، كما أنه يحتاج إلى مخرج متمكن يوجهه ويجعله قادرا على تجسيد تلك الشخصيات وهؤلاء الثلاثة هم العناصر الرئيسية فى العمل، إضافة إلى بقية العناصر الأخرى الضرورية لإكمال اللوحة الفنية، فإننى أرى أن الضلع الأول فى هذا المثلث – للأسف - وهو الكاتب "أيمن وطار" لم يقوى خياله على تقديم حبكات كوميدية تناسب موهبة وقدرات "دنيا"، ومعها فريق العمل المكون من: "محمد سلام" الذى صنعت معه دويتو فكاهى ضاحك من رحم بعض المواقف العادية - رغم افتعالها أحيانا - وكذلك مع الكوميديانة خفيفة الظل "شيماء سيف"، فضلا عن "عمرو وهبة وأحمد سلطان" اللذين يتطوران إلى حد كبير فى الأداء الكوميدى خفيف الظل، وفوق كل ذلك وجود المبدع الحقيقى "بيومى فؤاد" - على قلة مشاهده - لكنه أكسب العمل بريقا خاصا مستمدا من طاقته الإبداعية الكوميدية القادرة على تفجير الضحك من قلب أكثر المواقف بساطة، وتبدو لى إدارة المسلسل بقيادة المخرج "خالد الحلفاوى" قد ساهمت كثيرا فى إنجاح التجربة الكوميديا واكتمالها عناصرها الفنية.
 
أما الثانية فهى "مى عز الدين" فى مسلسل "البرنسيسة بيسة"، والتى أثارت جدلا شديدا على مواقع التواصل الاجتماعى خلال العشرة أيام الأولى من رمضان، فى مواجهة حملة سخرية غير مسبوقة، ولعل ظهور "مى" فى المسلسل بإطلالات سابقة لها فى مواسم ماضية، كان سببا رئيسيا فى ذلك، فضلا عن أن شخصية الجدة "سكسكة" هى نقطة الضعف الأولى فى المسلسل، وقدمتها بطريقة غير منطقية من وجهة نظرى الشخصية، حيث أنها تبدو فى أدائها أشبه بـ"محمد سعد" فى شخصية "أطاطا"، ومع ذلك كان لـ"التراس عز الدين" كل الحق فى أنها حملة ممنهجة تستهدف إقصاء مى من المنافسة بعد تصدر الإعلان التشويقى للمسلسل قائمة الأكثر مشاهدة قبل بداية ماراثون دراما رمضان 2019.
 
وعلى قدر الهجوم الذى أصاب "البرنسيسة بيسة" تبقى لإطلالة "مى عز الدين" ميزتها الخاصة، بما تحمله من طاقة كوميديا - انفعالية فى غالب الأحيان - تعتمد على وجهها وحركات جسدها الرشيق، فالتمثيل بالنسبة لها هو التصوير المجسد للصورة الذهنية، وهو إيصال المحتوى والانفعال والعاطفة إلى الجمهور، ولعل ماقمت به هو نوع من عملية إبداع فنى حقيقى فى محاولة لتجسيد صورة ذهنية، بهدف إيصال هذه الصورة على مستوى العلامات البصرية والعلامات السمعية إلى المتلقى، وذلك ضمن مساحة التلقى الشاملة، لكنى ألحظ أنها تجنح إلى أحيانا إلى نوع من الكوميديا التى تندرج تحت مسمى "المهزلة"، وهى نوع من الدراما لا معنى له بشكل عام، بل غالبا ما تمثل بصورة مبالغٍ فيها، أو تعمد إلى استخدام الكوميديا التهريجية فى كثير من مواقف حياتنا الاجتماعية الجدية.
 
ربما أخفق المؤلفان فى كتابة سيناريو محكم يبرز الشخصيات على النحو المطلوب، لكن يبقى الحوار جيدا إلى حد ما فى تفجير طاقة الضحك على لسان "حجاج عبد العظيم" فى جنوحه نحو العبث بملابسه، أو تراجعه فى بعض مواقفه، وكذلك وفق الحوار فى إبراز أداء كل من "محمد أنور - سليمان عيد - إيمان السيد - ضياء الميرغنى - سامى مغاورى"، وتبقى المفاجأة التى أعجبت كثير من الشباب فى هذا المسلسل وهى "أمير المصرى" الذى يملك أسلوبا مميزا فى خلط العبارات الإنجليزية بالعربية بلكنة محببة تجلب الضحك من القلب، والفضل كله فى إدارة المخرج "أكرم فريد" الذى عالج كثيرا من العيوب، بحيث يمكننا القول بأن المسلسل يعد جيدا مقارنة ببعض الأعمال الكوميدية الأخرى.
 
هذا وتبقى "طلقة حظ" لـ"مصطفى خاطر" واحدة من الأعمال الكوميدية التى تستحق المشاهدة فى لوحة رمضان المكدسة بالأكشن على الطريقة الغربية والتراجيديا والمونودراما الغارقتان فى المأساوية والسوداوية، حيث يبدو "خاطر" فى هذا المسلسل مختلفا تماما عما قدمه من قبل، فهى ليست فانتازيا أو ضحك للضحك، بل إنها تتعرض لقضايا اجتماعية تعتمد على أحداث كثيفة وسريعة، وهذا الأمر نفتقده فى كثير من الأعمال التى تعتمد على الرتابة ومط الأحداث.
 
ويبدو لى "مصطفى خاطر" فى شخصية "عبد الصبور" الموظف الكادح البسيط، الذى يعول أسرة كبيرة، ويواجه الكثير من المشاكل مع أزواج أخواته البنات، إنه من أولئك الفنانين الذين يسيرون على طريق الإبداع فى الفن الذى يقابل المقدرة على إيجاد معنى جديد أو حلول جديدة لموضوع ما، أو إيجاد شكل فنى مبتكر كما حدث مع تطور الأحداث لشخصية "عبد الصبور"، أو إنه، كما يذكر "شتولْنِتْز Stolnitz" معالجة بارعة لوسيط من أجل تحقيق هدف ما، والفنان المبدع يتمتع بتكوين نفسى متفرد وقدرات تخيلية وانفعالية خاصة تكسبه سمة الإبداع الفنى التى تميزه من الصانع العادى، وكثيرا ما تسمى هذه السمة "موهبة فطرية"، كما تبدو لنا فى عينى "خاطر" اللتين تمتازان بقدر من البراءة المطعمة بسذاجة محببة تكسب أدائه عذوبة خاصة، وعلى حد إدراكى فإن "خاطر" من ذلك النوع الذى يؤمن بأن التمثيل من فنون الإقناع بالمقام الأول، والإقناع فن من شأنه إنتاج التمثيل باستخدام اللغة الحية التى تؤثر فى الإقناع، ومن ثم فإن الإقناع يولد لغة المشاعر، وفى النهاية يحقق الفوز بقلوب الآخرين، ويستطيع إضحاكهم وأن يجعلهم يستمعون له بقلوبهم.
 
ولقد ساهم فى إنجاح تجربة "طلقة حظ" وجود ممثلين على درجة عالية من الاحترافية فى الأداء أمثال "أيتن عامر - أنعام سالوسة - محمد جمعة - محمود حافظ - حسنى شتا وغيرهم" ممن أدوا أدوراهم بطريقة قادرة على الضحك وانتشالنا من براثن العنف والقسوة ومرارة العيش فى هذا الأيام، ويحسب للمخرج أحمد خالد أمين تميزه فى إدارة عمل كوميدى بقدر من الحكمة والمسئولية.
 
خلاصة القول: هنالك العديد من الأنواع للملهاة التى تصنع الكوميديا، ومن بينها بالطبع "الملهاة الرخيصة"، حيث يقوم الكوميديون بأداء أعمال سخيفة مثل السقوط أو إحراج الآخرين مما قد يسبب الضحك، والأعمال الثلاثة التى ذكرتها من قبل لا تنتمى إلى تلك النوعية من الملهاة، لأنها على الأقل - رغم ضعف الكتابة فى أغلبها - راعت أن لكل شىء أصولا، ومن المعروف فى مجال الدراما أن أصعب فنونها الكوميديا كتابة وإخراجاً وتمثيلا، ومن المعروف أيضاً أن كتاب الكوميديا هم أكثر ثقافة ومعرفة بالنفس الإنسانية عن كتاب التراجيديا، ورؤوسهم ليست فارغة أو مليئة بالتفاهات مثل كثير من كتاب الكوميديا الحاليين عندنا، والذين يقعون فى منطقة التهريج، لكن يبقى هناك ممثل كوميدى يسعى لإثبات قدرته على الإضحاك، ممثل موهوب يعرف كيف يكتشف البؤرة الفنية فى الشخصية، وفى حركتها وفى قولها وفى الطريقة التى يود أن يؤدى فيها صفاتها بطريقة تنتمى إليه، كما تنتمى إلى ما يسرده أو يشخصه من أدوار.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة