إذا اعتبرنا الخريطة جَسدًا، والمراكز الاقتصادية والتنموية أعضاء، فلا يُمكن أن يحيا الجسد ما لم تمتدّ الشرايين والأوردة فى أنحائه، لتربط الأعضاء، وتضمن لكلٍّ منها حياته بحياة جيرانه، وتُوظِّف تلك الحيوات جميعًا لضمان صحّة البدن وسلامته.. وتلك بالضبط قيمة الطرق فى مُعادلات البناء والتنمية.
من تلك الرؤية يكتسب محور روض الفرج، الذى افتتحه رئيس الجمهورية صباح الأربعاء الماضى، أهمية كبيرة، باعتباره حلقة مُهمّة فى مسار تعضيد الجسد وضخّ الدماء فى أعضائه، تأسيسًا على ما يوفِّره من تعزيزات ضخمة لحركة النقل، ومن إمكانات وفرص تنموية، إلى جانب رفع القيمة المضافة لباقة واسعة من المشروعات والأراضى والخطط الاستثمارية.
افتتاح المحور رافقته دفعة معنوية مُهمّة، بدخول كوبرى «تحيا مصر» موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأعرض جسر مُلجم «مُعلق بكابلات» فى العالم، بعرض 66 مترا و80 سنتيمترا، مُتجاوزًا 65 مترًا و23 سنتيمترًا المُحدَّدة لكسر الرقم القياسى الذى يحوزه جسر «بورت مان» فى مقاطعة فانكوفر الكندية منذ سبع سنوات.
أهمية المحور تتمثَّل فى خطوط الربط والتقاطعات التى يصنعها، إذ يربط ساحل البحر الأحمر عند الزعفرانة، بالضبعة ومطروح وسيدى برانى والسلوم، عبر طريق الجلالة الجديد، ويتّصل بطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، إلى جانب أنه مسارٌ موازٍ لمحور 26 يوليو، ما يعنى تقليل الكثافة والتكدُّس فى أطراف الجيزة، وامتصاص التدفُّقات المرورية فى قلب القاهرة، بغرض تقليص الضغط على العاصمة وأحيائها.
تبلغ تكلفة المحور 5 مليارات جنيه، وشارك فى تنفيذه 4 آلاف مهندس وعامل، عبر تحالف شركات محليَّة تقوده «المقاولون العرب» وتُشرف عليه الهيئة الهندسية، مع الاستعانة ببعض الخبرات الأجنبية، وتدريب المهندسين والفنّيين بالخارج، واستهلكت المرحلة الثانية منه مليون طن خرسانة و280 ألف طن حديد. أما كوبرى «تحيا مصر» صاحب الرقم القياسى العالمى فيمتدّ بطول 540 مترًا، بفتحة ملاحة نهرية 300 متر، وتحمله كابلات حديديّة وزنها 1000 طن، مُعلَّقة على بُرجين رئيسيَّين بارتفاع 100 متر، ومُصمَّم لاستيعاب ضغط يصل إلى 120 طنًّا.
اكتمال المحور سبقته خطوات واسعة على طريق تعزيز جسد مصر بمزيد من الشرايين، فبحسب أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، سجَّل إجمالى الطرق المصرية 163 ألفًا و70 كيلومترًا بنهاية العام المالى 2013/ 2014، لكنّه حقَّق طفرة ضخمة فى السنوات الأربع التالية بتسجيله 188 ألفًا و274 كيلومترًا أواخر 2017/ 2018، بزيادة 25 ألفًا و177 كيلومترًا، نسبتها 15.4 %. أى أن مصر أنجزت خلال أربع سنوات قُرابة خُمس ما أنجزته من طرق طوال تاريخها.
خريطة الطرق الجديدة توزَّعت على امتداد البلاد، بواقع 4 آلاف و123 كيلومترًا للقاهرة، تُوازى 20 % تقريبًا من إجمالى طرق العاصمة، و8 آلاف و695 كيلومترًا لـ11 محافظة بالوجه القبلى بنسبة 35.3% من إجمالى الشرايين الجديدة، و1750 كيلومترًا لشمال وجنوب سيناء، و1970 لمحافظات القناة الثلاثة، و1081 كيلومترًا للطرق الدائرية، كما تضاعفت أعداد الأنفاق والكبارى 15 مرّة، لتُسجِّل 36 ألفًا و326 بعدما كانت 2370 نفقًا وكوبرى، بزيادة 1500 %.
مُعدَّلات الإنجاز المُتسارعة دفعت مصر 43 مركزًا للأمام ضمن تقرير التنافسية العالمى فى قطاع الطرق، لتحتلّ الموقع 75 حاليًا, بينما أسهمت الشبكة الضخمة المضافة فى تعزيز مُعدَّلات الاستثمار والتنمية، وهو ما تجلّى فى تسجيل نموّ نسبته 5.6 %، من المُتوقَّع أن يُلامس حدود 6 % خلال السنة المالية المقبلة، إلى جانب اقتراب الاستثمار الأجنبى المباشر من 8 مليارات دولار فى 2017/ 2018، وزيادة الصادرات السلعية 19 % مُسجِّلة 26 مليار جنيه خلال العام نفسه، مع تراجع عجز الميزان التجارى وميزان المدفوعات، وتسجيل فائض أوّلى 21 مليار جنيه فى موازنة 2018/ 2019، وتراجع العجز الكُلّى خلال السنتين الأخيرتين.
تلك الخريطة الواسعة من الشرايين والأوردة تُمثِّل ارتقاء بكفاءة قطاع النقل، بما ينعكس على حياة المواطنين ومعيشتهم، لكن إلى جانب ذلك فإنها تُعزِّز جهود الدولة لجذب الاستثمارات، وتوليد فرص العمل، ودفع النموّ باتجاه الصعود المُنتظم والمُستدام، كما تُقلِّل الإهدار فى الوقت، بما يُمثّله من إضاعة للفرص وزيادة فى التكلفة وتقليص للأرباح، وترفع قيمة أراضى الظهير الصحراوى والمُخطَّطات المستقبليّة لمحاور التنمية الصناعية والزراعية والمُدن الجديدة، وتُسهِّل حركة التجارة والأنشطة السياحية، مع خفض مُعدَّلات الحوادث وخسائرها المادية والبشرية، والأهم توفير الوقود Çمحور روض الفرج بمُفرده يوفِّر 200 ألف لتر بنزين يوميًّاÈ بما يعنيه ذلك من توفير فى كُلفة النقل، وخفض لأسعار السلع والمنتجات النهائيّة، وأيضًا تقليص فاتورة صيانة السيارات وإطالة أعمارها الافتراضية.
يتبقَّى أن تعمل الأجهزة التنفيذية والمُحافظات بالجدّية نفسها، لوضع خطط صيانة وتطوير دائمة للمحاور الجديدة، ومُخطَّطات مُتكاملة لربط الكبارى والطرق الداخلية فى المحافظات والمدن الصناعية بشبكة الطرق العامة، وتطوير الشبكة القديمة وإعادة تأهيلها.. بالتأكيد ستمضى الدولة فى خططها لتعزيز قطاع النقل، وإطلاق موجات جديدة من الشرايين فى جسد الوطن، ما يعنى أننا إزاء مزيد من الفرص والإمكانات التى يتعيَّن علينا الاستفادة منها بالشكل الأمثل، واستخدامها برُشدٍ ومسؤولية، لتكون قيمة مُضافة حقيقية لجهود التنمية، حتى تُؤتى الشرايين ثمارَها، وتتنفَّس الأعضاء، ويزدهر جسد مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة