شهد منتدى الاقتصاد العربى، المنعقذ حاليا فى العاصمة اللبنانية بيروت، إشادات واسعة بما حققه الاقتصاد المصري خلال الفترة الأخيرة والنجاح الباهر الذي حققه برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، والذي جعل حكومات دول عديده تتخذه مثلا يجب أن تحتذي به الدول التى تواجه تحديات اقتصادية...لكن ما السر في هذه النجاح الكبير؟
منذ بدأ تنفيذ برنامج الإصلاح، كان البطل الأساسي هو الشعب الذي تحمل تبعاته، إلى جانب الرئيس السيسى الذى تحمل بقوة وصبر مسئولية هذا البرنامج الصعب على الجميع بهدف الخروج من الوضع السيء الذي وصل إليه الاقتصاد خلال فترة ما قبل ثورة 30 يونيو.
ومنذ بدأ الرئيس فى تنفيذ مشروعات ضخمة وبتكلفة عالية جدا تخوف الكثيرون، من استمرار الارتفاع فى حجم الانفاق الحكومى، معتبرين أن ذلك لا يتناسب مع الوضع المالي الحالى للديون المحلية والأجنبية، والارتفاع المضطرد في عجز الموازنة العامة للدولة.
لكن الحقيقة أن الحكومة المصرية قامت بشىء لافت للنظر منذ بدأت في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى بمشاركة المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى الذى قدم قرضا بقيمة 12 مليار دولار، والبنك الدولى الذى قدم نحو 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى مشاركة بنوك مثل البنك الأوروبى والبنك الإسلامى والبنك الأفريقى والتى قدمت تمويلات متباينة للعديد من المشروعات فى مصر.
وهذا الشىء اللافت، هو أن الحكومة قامت بزيادة الانفاق العام رغم أن التوصيات العامة من المؤسسات الدولية فى حالة مثل حالة مصر، التى كان الاحتياطى النقدى بها تآكل بشكل يكاد يكون كاملا، وارتفع التضخم بها إلى مستويات قياسية بلغ 33%، وبلغ عجز الموازنة مستويات غير مسبوقة، وغير ذلك كثير، وفى حالة مثل هذه تكون التوصية دائما هى تطبيق برامج تقشف حكومى عام.
إلا أن الحكومة المصرية بتوجيهات معلنة من الرئيس عبد الفتاح السيسى قامت بزيادة الانفاق العام بشكل كبير، خصوصا فى المشروعات الخدمية وبرامج الحماية الاجتماعية، كما قامت بالبدء فى مشروعات ضخمة بهدف أساسى هو التشغيل، مثل مشروعات الإسكان الاجتماعى التى يعمل بها حوالى 3 ملايين فرد، بالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة التى يعمل بها مئات الشركات العقارية والخدمية ويعمل بها أيضا آلاف الشباب، وكذلك إنشاء عشرات المدن الجديدة فى كل المحافظات.
هذا الإجراء المصرى الذى أثبت خطأ القاعدة الاقتصادية السابقة التى كانت توصى الدول ذات العجز المالى العالى والتى لا تملك احتياطيا نقديا يغطى الأزمات المتوقعة بالإلتزام بتنفيذ برامج تقشف عامة فى البلاد للحد من العجز المالى والحفاظ على استقرار الدولة، إلا أن ذلك كان دائما ما ينجم عنه ضياع ملايين الوظائف، وموجات من الغضب الشعبي، وفى النهاية لا يحقق هدفه من مواجهة العجز أو تحقيق الاستقرار المالى، وشاهدنا نماذج واضحة لذلك فى العالم مثل إيطاليا واليونان، خصوصا عقب الأزمة المالية العالمية في 2008، ولم ينقذهما إلا تدخل مباشر من الاتحاد الأوروبى بقروض تخطت الـ 100 مليار يورو.
ولعل هذا ما أكد عليه تقرير البنك الدولى الأخير حينما قال إن مصر عالجت مشكلة الفقر المدقع في الأماكن المحرومة بشكل عملى، وحققت نتائج مبهرة في ذلك، نتيجة استخدامها حد الفقر الوطنى كمعيار لتقديم الخدمات والدعم الاجتماعى، وزيادة الانفاق بها، وهو ما كان له دور بالغ فى تحقيق الاستقرار الاجتماعى، ورفع قدرة الطبقات الفقيرة على تحمل تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى السيئة.
ونتذكر جميعا كلمات الرئيس السيسى فى أول ولايته الأولى عندما كان يوصِّف سبب تدهور البنية التحتية ونقص الخدمات وعدم تنفيذ مشروعات كبرى فى مصر على مدى سنوات بأنه نتيجة "الأيدى المرتعشة" التى كانت تخاف من "الانفاق العام" ومسئولياته على حد قوله وقتها، وثبت صدق كلامه بالتجربة العملية بعد نجاح استراتيجيته القائمة على التوسع فى الانفاق العام، خصوصا على المشروعات الكبرى كثيفة العمالة ومشروعات الخدمات العامة والتنمية التى تظهر نتائجها بشكل سريع في عمليات التشغيل وتحريك السوق وزيادة معدلات الاستهلاك العام مما يزيد الطلب على المنتجات وبالتالى تعمل المصانع، وهذا هو مضمون "الدائرة الاقتصادية أو عجلة الاقتصاد" التى يتحدث عنها الجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة