طرقات خفيفة على طبلة صغيرة تحملها الحاجة سيدة ، تخترق سكون الليل سرعان ما يتجمع حولها أهالى شبرا وروض الفرج، تجذب إليها الأطفال يسيرون خلفها وهم يرددون بعض الأدعية والأغانى التى تنطلق من السيدة التى تحملها، بينما يتابعهم الأهالى من شرفات المنزل يطلبون منها ترديد أسماء أولادهم كما كان يحدث معهم من قبل.
داخل حجرة صغيرة تحتوى على أثاث بسيط لا يتجاوز سوى سرير واحد وكرسى متهالك تعيش الحاجة السيدة مع والدتها المريضة والتى اضطرت إلى ترك شقتها فى حى إمبابة لرعايتها والقيام على شئونها.
بدأت الحاجة سيدة رحلة العمل فى أحد مصانع النسيج اليدوى والتى ظلت تعمل به لمدة 40 عامًا متواصلة بأجر 30 جنيهًا فقط، كانت تشارك بهم الإنفاق على المنزل مع زوجها أحد المنتمين للعمالة الموسمية، حيث كان يعمل حدادا ولكن مع ضعف جسده والأمراض التى أصابته تحول إلى مهنة المسحراتى بعد أن أهداه أحد المشايخ "طبلة" وصاه بالعمل عليها للجمع بين كسب الرزق وثواب إيقاظ الصائمين لتناول السحور.
ورغم قلة الدخل فإنه كان مصدر فرحة حقيقية لها خاصة عند رؤيتها للمنتج النهائى والتى استطاعت خلال عملها فى المصنع تحقيق سمعة جيدة بين عملاء المصنع.
"كنت بعمل كل الرسومات أحسن من الكتالوج" فى إشارة منها إلى كتاب التصميمات، تقولها الحاجة سيدة بزهو ولكن سرعان ما تعود ملامحها للحزن عند ذكر استغناء صاحب المصنع عنها بعد ضعف بصرها نتيجة إصابتها بالمياه البيضاء.
بعد استغناء مالك المصنع عنها وطردها من عملها الذى كان يمثل لها مصدر الرزق الوحيد، فكرت الحاجة سيدة بالعمل " مسحراتى " مهنة زوجها ولكنها كانت تتراجع خوفًا من ردود أفعال الأهالى ومدى تقبلهم للفكرة.
صدفة عابرة دفعت الحاجة سيدة فى إنهاء التردد والبدء فورًا بالعمل فى إيقاظ الصائمين بعد أن سمعت جيرانها يشكون من عدم وجود مسحراتى واختفاء هذه المهنة التى كانت تبعث البهجة فى قلوبهم وتعد أحد معالم الشهر الكريم.
تقول الحاجة فتحية: "أخذت طبلة زوجى وكانت صالحة للعمل، حيث كنت أعتنى بها وأحسن صيانتها من خلال دهنها بالزيت باعتبارها من ريحة زوجى وتجولت فى الشوارع أطرق بها بشكل طرقات خافتة فى البداية فى انتظار لرد فعل الأهالى والتى زادت قوتها مع ترحيبهم وفرحتهم الكبرى وصاروا ينتظروننى ويطلبون منى ترديد اسمائهم وأسماء اولادهم وهو ما أفعله بكل حب دون انتظار أى مقابل يكفى فقط مشاهدة الفرحة فى أعين الأطفال وأنا أردد أسماءهم على طرقات الطبلة".
فرحة الأطفال بقدومها مع طبلتها التى تلتصق بها وكأنها صارت جزء من جسدها لا تفترق عنه وشعورها بأنها تقدم لزوجها عمل يثاب عليه كانت سببًا فى رفض الحاجة سيدة بعض الأعمال التى كانت ستدر عليها أجرا شهريا ثابتا يفوق ما تحصل عليه من عملها كمسحراتى وهو ما تعبر عنه بقولها : "رفضت بعض الأعمال التى تطوع بها البعض بنية المساعدة وذلك لشعورى بأننى ارسل لزوجى حسنات فى قبره بجانب ما أحصل عليه من سعادة برؤية وجوة الأطفال وابتسامتهم عند مشاهدتى أشعر بأن الله يعوضنى بها عن عدم انجابى لأطفال".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة