لا تذكر البعثة إلا ويذكر سيدنا بلال بن رباح، ولا يذكر تعذيب المشركين للمسلمين إلا ويذكر بلال بن رباح، ولا يذكر الأذان إلا ويذكر بلال بن رباح، إنه رجل أحب الله فأحبه الله، وأحب النبى فأحبه النبى عليه الصلاة والسلام.
كان بلال بن رباح من السابقين إلى الإسلام تقول كتب التراث إنه السابع فى الترتيب دخولا فى الإسلام، لكن من حظه (لا نعرف الحسن أم السيء) أنه كان فى بداية إسلامه مولى عند أميّة بن خلف، الذى فكان شديد التعذيب له، حتى كان يخرجه فى حرّ الصحراء وقت الظهيرة، ويطرحه أرضاً ويضع صخرةً على صدره، وبقى بلال ثابتاً على دينه يعانى قسوة سيّده حتى اشتراه سيدنا أبو بكرٍ الصديق رضى الله عنه، وأعتقه لوجه الله.
نعم ربما كان ذلك من حسن حظ بلال أنه تعرض لاختبار شديد فى دينه وثبت فيه، وصار مضرب الأمثال على المؤمنين حقا، الذين تحملوا من إجل إيمانهم، ومن هنا استحق المكانة التى صار إليها.
كان بلال، الذى شهد جميع الغزوات مع النبى الكريم ولم يتخلف عن واحدة منها، شديد التواضع، يعرف نعمة الإسلام عليه، فقد أعتقه من العبودية، وجعله رجلا حرا، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليصبح أول مؤذن فى الإسلام، واستطاع يوم فتح مكة أن يصعد سطح الكعبة بإذن من رسول الله، ويؤذن صائحا "الله أكبر"، ليعلوا بإيمانه فوق أعناق الذين أذلوه بالأمس، وليصمت الجميع وتخفت أصواتهم، بينما العبد الحبشى الذى أعزه الإسلام يعلو صوته فى محبة الله.
عاش بلال بن رباح مدركا لهذا المعنى وعارفا بجميل أن النبى اختاره ليكون مؤذنا داعيا المسلمين إلى صلاتهم، ويوم موت الحبيب عليه الصلاة والسلام أذّن بلال ولم يُدفن النبى بعد، وما إن وصل إلى قول (أشهد أن محمّداً رسول الله) حتى بكى بكاءً شديداً وأبكى الناس معه، ثمّ ترك الأذان بعد ذلك، ولم يُؤذّن حتى يوم فتح بيت المقدس فى عهد عمر بن الخطّاب فطلب إليه عمر أن يُؤذّن، فأذّن ولم يُرَ باكياً مثل ذلك اليوم قطّ عندما ذكر رسول الله.
بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام خرج بلال بن رباح إلى الشام، وظل فيها حتى يوم رحيله، وروى أنه كان يقول وهو يحتضر "غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه" ومات سنة عشرين من الهجرة.. لكن اسمه ظل رمزا على الصالحين فى الأرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة