علي وقع اتفاقية السلام مع اسرائيل في أواخر سبعينيات القرن الماضي صارت كلمة "السلام " هي القاسم المشترك الأعظم في أحاديث المصريين وكتابات الإعلاميين وأغاني الفنانين ، فضلا عن الإنشاءات المختلفة للدولة ما بين كباري أو مدن جديدة ، وهو أمر أثار اعتراض المفكر الراحل الدكتور جلال أمين ، وبدأ معه ومنه انتاج مؤلفه الأشهر " ماذا حدث للمصريين " ، والذي قدم عبره تشخيصا دقيقا للتطورات التي مر بها المجتمع المصري والشخصية المصرية خلال الفترة من 1945 وحتي 1995 ، ليأتي استكمالا لسلسلة مؤلفات شهيرة ومهمة تناولت شخصية مصر وطبائع المصريين مثل وثيقة "شخصية مصر " للراحل العظيم الدكتور جمال حمدان وكتابات ابن خلدون والجبرتي عن مصر والمصريين .
الراحل الدكتور جلال أمين كان يري أن التشخيص السليم للمرض " أي مرض " هو الخطوة الصحيحة للعلاج ، والحقيقة أنه حتي لو لم يكن الأمر مرضا أو كانت التطورات السلبية هي الغالبة علي سمات وطبائع المصريين ، تحت تأثير أحداث وظروف مختلفة في العقود الأخيرة ، فإن هناك حاجة ماسة لاستكمال ما بدأه الراحل جمال حمدان وواصله الراحل جلال أمين برصد وتوثيق ما تمر به الشخصية المصرية من تطورات وتغييرات وإخضاعه للدراسة والتحليل ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، بتقويم ما يتفق ذوو الخبرة وأهل العلم والدراسة والتحليل علي سلبيته ، واستعادة ما سرقه الزمن وتغيراته وأحداثه من شخصية المصريين وطبائعهم ، ولا نبالغ إذا قلنا أن الأمر يحتاج إلي مؤتمر قومي ، يجتمع فيه الباحثون الجادون في مختلف المجالات وكافة القطاعات التي تمس وتشتبك بشكل يومي بحياة المصريين وتؤثر فيها سلبا وإيجابا ، ما بين علماء اجتماع ونفس واقتصاد وإعلام وتعليم ودين وتاريخ وغيرها من التخصصات والمجالات ، مع الحرص علي اختيار من يمتلكون القدرة علي التشخيص " دون مبالغة أو تزييف " وتقديم العلاج لكل ما هو سلبي بكل جرأة ، أو الدعم لكل ما هو إيجابي بكل جدية .
التغييرات كبيرة بل وعميقة ولا يمكن إنكارها ، والمؤثرات التي قادت وتقود إلي هذه التغييرات متعددة ، لكن الشخصية المصرية مرت عبر تاريخها بظروف ربما تكون أصعب بكثير مما مرت به في العقود الأخيرة ن بل وعاشت تحت سطوة احتلال أجنبي لقرون مرات وعقود مرات أخري ، وعلي الرغم من ذلك احتفظت بما يميزها ويجعل لها طابعا خاصا ، بل وطبعت بعضا من محتليها ببعض طباعها ، لكن هذه الشخصية ذاتها تبدو في أضعف حالات مقاومتها لكل تأثير يطالها أو ينال من طبائعها ، ويبدو مخيفا أن تتحول هذه الشخصية إلي مسخ ، لا هوية محددة لها كما كانت عبر التاريخ ، سواء فيما يتعلق بالطباع أو التصرفات اليومية أو حتي الملابس واللهجات التي بدأت تختفي شيئا فشيئا من " أرياف مصر " في صعيدها ودلتاها لتحل محلها لهجة المدينة ، مثلما اختفي شيئا فشيئا انتاج الريف ، وصار طعام أهله وملبسهم هو طعام وملبس أهل المدينة .
الدفاع عن الهوية المصرية ، في مختلف جوانبها ، شكلا وموضوعا ومضمونا هو أمر لا يقل في اهميته عن الدفاع عن حدود مصر وأمنها ، وهي قضية مصير تحدد ملامح الأجيال القادمة وتصرفاتها وارتباطها بوطنها ، والقدرة علي مواجهة كل تأثير يسعي للنيل من " شخصية مصر " .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة