لا يحتاج يوسف شاهين (1926 – 2008) أبداً مناسبة للكتابة عنه، لأنه دائم الحضور بأفلام لازالت تثير الجدل والحماس والنقاش الحاد وتستدعى شخصيته المشاكسة، العنيدة، الطموحة التى تنفتح على سينمائي كان مختلفاً، حالة خاصة فى السينما كمخرج ومؤلف ومنتج وممثل وصانع سينما، غادر الدوائر التقليدية إلى فضاء أحلامه وتجلياته الفنية الأوسع، حيث ارتسمت أعماله بهذا الجزء الثابت الذي يبحث عن الوطن ويستلهمه فى وجهه الإنساني، ولعل الفعالية السينمائية الجديدة التى تنظمها حالياً جمعية الفيلم العربى فى زيورخ بالتعاون مع "Filmpodium Zürich" و " Stadtkino Basel"، فى ثلاث مدن سويسرية: بيرن العاصمة، زيورخ إحدى أهم مدن سويسرا وأكبرها على الإطلاق، بازل أحد أهم مراكز الفن والموسيقى، هى أكبر دليل على حضور "الأستاذ" الذي لا يغيب.
الفعالية التى بدأت فى السادس عشر من مايو الجارى وتستمر حتى نهاية شهر يونيو المقبل، يعرض خلالها حوالى 12 فيلماً تشهد على مسيرة شاهين الحافلة بالحكايات والصور التي صنعها مخرج كبير، إستطاع أن يتحقق عالمياً بأفلام كانت على الدوام ضد التعصب والانغلاق، مسيرة لا يمكن اختصارها عند حد معين أو سؤال واحد، وإنما هي مشروعه السينمائي الكبير الذى أنجزه بشجاعة المغامرين وولع المحبين، ومن هذه النقطة يعرض حالياً فى المدن السويسرية الثلاث أفلام: صراع فى الميناء (1956)، التعاون الثالث بين يوسف شاهين وعمر الشريف بعد فيلمى صراع فى الوادى وشيطان الصحراء، الاثنان تم عرضهما فى العام 1954، كذلك كان التعاون الثالث بين فاتن حمامة وعمر الشريف بعد فيلمي صراع في الوادي وأيامنا الحلوة (1955)، وفيه يركز الصراع على التفاوت الطبقي الذي كان أساس "صراع في الوادي"، ثم رأيناه بشكل مغاير في "باب الحديد" (۱۹٥۸)، الفيلم الذي يعرض أيضاً في التظاهرة السويسرية وتدور أحداثه فى محطة مصر، حيث تظهر شرائح اجتماعية مختلفة ويتشكل التفاوت الطبقي حتى بين عمال المحطة أنفسهم في مجتمعهم الصغير، حيث يمثل هذا الفيلم إنطلاقة مهمة لشاهين الذى وقف فيه ممثلاً لأول مرة ولعب دور قناوي، وتتوالى العروض بفيلم الأرض (1970) عن رواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي والذى شارك حسن فؤاد في كتابة السيناريو، خطوة أخرى ليوسف شاهين على درب الواقعية الاشتراكية، ثم العصفور (1974) الذي يعبر عن هزيمة الواقع والأحلام في أحداثه التي تدور قبيل وقوع هزيمة عام 1967، وعودة الابن الضال (1976) المأساة الموسيقية كما كتب على البوستر الخاص به، وثلاثيته الذاتية "اسكندرية ليه (1979)، حدوتة مصرية (1982)، اسكندرية كمان وكمان (1990)"، بالإضافة إلى وداعاً بونابرت (1985)، اليوم السادس (1986)، المهاجر (1994)، المصير (1997).
أفلام تبدو أنها أختيرت بعناية لتبين ملامح مشوار سينمائي حافل بما يقرب من أربعين فيلماً، بين روائي طويل وقصير ووثائقى، جعلت من شاهين أيقونة متفردة للسينما العربية، ولعل هذه الاحتفالية الأخيرة تكون واحدة من صور التواصل مع الغرب أو الآخر وهو ما كان يسعى إليه شاهين ويهدف إليه كذلك القائمون على عروض أفلامه فى سويسرا، كنوع من المساهمة فى التقريب بين الثقافات وكى يتعرف الغرب على العالم العربي بشكل أفضل من خلال السينما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة