حينما شاهدتُ الفنان المتألق دائمًا فتحى عبد الوهاب وهو يجسد شخصية حمزة فى مسلسل «لمس أكتاف» شعرت بأننى أمام شخص آخر مختلف تمام الاختلاف عن فتحى عبد الوهاب الذى أعرفه.. فقد استطاع أن يقلب الموازين تمامًا فى هذا المسلسل ويعيد صياغة المعايير الخاصة بتحديد من الذى يقوم بالبطولة؟ ومن يقوم بالدور الثانى؟ فببراعته وقدرته الفائقة على تجسيد الأدوار الصعبة والمركبة، استطاع أن يصنع لنفسه مكانة جعلته يصبح بمثابة "رمانة الميزان" فى هذا المسلسل، على الرغم من أن الشخصية التى يقدمها تحمل الكثير والكثير من المتناقضات بحكم ظروفها الاجتماعية التى نشأت فيها.
والحق يقال فإن هذا الأمر لم يكن جديدًا عليه فهو من الممثلين الذين يحترمون الدور المكتوب لهم على الورق ولذلك نجده لا يهوى الارتجال ولا يندفع وراء الرغبة فى تعديل أو تغيير أى تفاصيل فى الشخصية المكتوبة، ولكنه فى نفس الوقت نجده يركز جيدًا فى التجويد والتحسين من أجل تقديم الدور على أكمل وجه.. فحينما يستعد لتقديم شخصية جديدة فإن أول ما يقوم به هو النظر إلى تلك الشخصية من جوانبها الإنسانية وهذا ما نلمسه بوضوح فى الشخصية التى يجسدها فى مسلسل "لمس أكتاف" لدرجة أن الأداء المتقن للشخصية يجعله على هذا النحو من الروعة ونحن نشاهده يوميًا فى مسلسل "لمس أكتاف".
وعلى الرغم من أن "حمزة" فى المسلسل شخصية تبدو مكروهة وغير مستحبة ولكن فتحى عبد الوهاب بذكائه المعهود جعل منها شخصية محورية يرتكز عليها العمل ككل بعيدًا عن ترتيب كتابة الأسماء على تتر المسلسل فقد ارتبط بالفعل اسم فتحى عبد الوهاب فى أذهان المشاهدين بهذا المسلسل حتى وإن كان لم يأخذ فيه دور البطولة ولكنه بشهادة الجمهور يحظى بنجومية كبيرة وكأنه البطل الفعلى للمسلسل.
فتحى عبد الوهاب عاشق للفن لدرجة الذوبان بالكامل فى كل دور يقدمه وهذا الذوبان لا يعنى تقمص الشخصية بالمعنى النقليدى وإنما الأمر يتعلق بالرؤية التى يسعى وراءها ويؤمن بضرورة تقديمها من خلال هذه الشخصية أو تلك.. كما أنه يجرى دائمًا وراء الشخصية التى يستطيع الإيمان بنظرتها للعالم شرط نسيانه لذاته، ما يدفعه دومًا للبحث داخل الشخصية على أى مفهوم إنسانى يمكن أن يصبح فيما بعد قيمة مضافة للعمل الفنى ككل.. فهو دائمًا ضد فكرة الأحكام الأخلاقية على أى شخصية يقوم بتجسيدها، ففكرة الأخلاق بالنسبة له مجرد سلوك ذاتى يتحمله الشخص الذى يصدر عنه هذه التصرفات مهما كانت مرفوضة مجتمعيًا بينما يختلف الأمر تمام الاختلاف فى الأمور التى تتعلق بالمبادئ الأخلاقية العظيمة من خير وعدل وحق وجمال ورحمة.
ولأن حياة كل إنسان يمكن أن تتحول إلى عمل درامى فإنه لو تحولت حياته إلى مسلسل سنجده يجمع كل التصنيفات المعروفة ويدمجها فيما بينها وهى ميلودراما وتراجيديا وكوميديا وتشويق أى أنه كوكتيل من العناصر الفنية.
فتحى عبد الوهاب بتلك الخلطة "السرية" التى تشكل ملامح شخصيته كفنان متميز يمتلك من الإمكانيات الفنية التى تجعل أدواره مؤثرة وأساسية ولا تقل بأى حال من الأحوال عن أدوار البطولة وربما هذا الوضع يجسد على أرض الواقع قناعته الشخصية التى سبق أن صرح بها أكثر من مرة بقوله إنه لا أحد يستطيع القيام بدور البطولة المطلقة طوال حياته لأنه لا يوجد شخص يستطيع التحكم فى خيوط حياته بشكل كامل.
واللافت للنظر أن فتحى عبد الوهاب منذ بدايته وهو يمكن أن نطلق عليه أنه فنان استثنائى بمعنى الكلمة فقد دخل الساحة الفنية فى ظروف استثنائية ليصنع لنفسه مكانة استثنائية ويحتل مساحة "مرموقة" بين أبناء جيله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة