محمد فودة

محمد فودة يكتب.. "الشغالة" مهنة شريفة اغتالتها الدراما غير النظيفة

الإثنين، 27 مايو 2019 03:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

من منا لم يتأثر بأداء الفنانة القديرة شادية، ويقف أمامها احتراماً، وهى تجسد بيراعة تامة شخصية "المربية" أو "الشغالة" فى فيلم "لا تسألنى من أنا" للمخرج أشرف فهمى المأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدرس وهو فيلم من كلاسيكيات السينما المصرية.

 

فتلك "الشغالة" قد أفنت حياتها وعاشت أجمل سنوات عمرها وهى تكد وتجتهد وتكافح من أجل الحصول على لقمة العيش الحلال حتى تتمكن من تربية أبنائها، فهى المرأة المعيلة لتلك الأسرة الكبيرة التى تضم اولاد وبنات وبالفعل ظلت هى بمثابة الأب والأم لرعاية أسرتها  حتى انتهى ابنائها من تعليمهم وحصلوا بالفعل على شهادات جامعية وتولوا وظائف مرموقة.

 

كلما شاهدت عملا من الأعمال الدرامية التى تقدم لنا نموذج الشغالة على هذا النحو من المهانة التى تراها الآن، فإننى اتذكر على الفور  تلك الشخصية التى قدمتها القديرة شادية و اترحم على فن أيام الزمن الجميل وأقرأ الفاتحة على روح الفن الراقى واتحسر  على الدراما النظيفة التى لم تكن تخدش الحياء ولم تكسر بخاطر تلك الفئة الفقيرة ممن شاء حظهم العاثر العمل فى مهنة شاقة تتمثل فى "خدمة البيوت" فهى وإن كانت بالفعل مهنة شريفة إلا أنها  تتطلب مجهوداً كبيراً ومضاعفاً.

 

وهنا فإننى أتساءل: كيف يسمح كتاب الدراما لأنفسهم أن يتعاملوا مع تلك المهنة الشريفة على هذا النحو من الاستهتار والاستهانة وكأنها سبة فى جبين ابناء تلك المرأة التى تعمل بشرف وتمتهن الخدمة فى البيوت فنسمع عبارات ضمن السياق الدرامى لأحداث العديد من الاعمال الدرامية ومن بين تلك الكلمات الجارحة أن يقول شخص لآخر "يا ابن الشغالة" أو تعاير إحدى السيدات سيدة أخرى بأنها تعمل فى الخدمة فى البيوت وكأنها قد أمسكت عليها زلة أو أنها قد انحرفت وعملت فى مهنة غير شريفة.

 

يا سادة.. إن ما يمارسه البعض من فرض أحكام على المرأة التى تعمل "شغالة" بأنها تعمل فى مهنة وضيعة هو فى حقيقة الأمر يصدر احكاماً ظالمة ضد المجتمع ككل.. فما أدراكم بالحقيقة، أليس من الممكن أن تكون حياتها الاجتماعية أفضل من حياة أسر كثيرة تعيش على سطح الحياة وتبدو للعيان أنها أسر راقية بينما الواقع يقول انها مجرد شكل وديكون فقط وانها تعانى من التفكك والتحلل والانحراف فى ابشع صوره .. بينما تلك الشغالة البسيطة التى تعيش على الهامش ربما تكون قد ربت ابنائها واحسنت تربيتهم وتعليمهم وبالطبع  يكون من بين ابنائها المهندس والضابط والطبيب.. فما قدمه فيلم "لا تسألنى من أنا" ربما لا يكون بعيداً عن الواقع، فروعة العمل أن يمزج بين خيال الكاتب والتعبير الصادق عن الواقع.

 

أعتقد أن الجميع يتفقون معى فى أن تلك النظرة الدونية لمهنة الشغالة تعد من الظواهر الاجتماعية السيئة التى تبعث فى النفس الشعور بالاشمئزاز، وتدعو للعجب خاصة أننا نعيش الآن أياماً مباركة علينا أن نستثمرها فى عمل الخير والطاعات وأن يسود بيننا حالة من الرحمة، بأن يعطف كل منا على الآخر وأن نمنح أصحاب المهن الشاقة نوع من التقدير ولو كان مجرد تقديراً معنوياً باحترام مهنته وعدم التقليل منها أو الإساءة إليها.

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة