تحظى السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق بمكانة عالية فى التاريخ الإسلامي، جزء من ذلك صنعته شخصيتها المهمة، وجزء آخر صنعته المأساة.
ظهرت أسماء بنت أبي بكر على صفحات التاريخ، عندما قرر الرسول الكريم الهجرة إلى المدينة، مصطحبا معه صاحبه الأعز أبو بكر الصديق، فخرجا، ولما عرفت قريش ذهبت إلى بيت أبى بكر وطرقوا الباب فى عنف فخرجت أسماء إليهم، وسألها أبو جهل: أين أبوك؟ قالت: لا أعلم، فلطمها.
وعندما علم جدها أبو قحافة ذهب وسألها ماذا ترك لكم أبوكم، وكان الصديق قد أخذ ماله كله، لكن أسماء قالت: ترك لنا خيرا كثيرا، وكان أبو قحافة لا يبصر لكنه أراد أن يتأكد بنفسه، فعمدت أسماء إلى أحجار، فجعلتها في كوة البيت، وغطيت عليها بثوب، ثم أخذت بيده، ووضعتها على الثوب، فقلت: هذا تركه لنا، فقال: أما إذ ترك لكم هذا، فنعم.
كانت الحياة الدنيوية للسيدة أسماء رضوان الله عليها شاقة، فقد تزوجها الزبير ابن العوام، ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فقيرا، وفى الوقت نفسه به شدة فى طبعه عانت منه السيدة أسماء، لكنها احتملت وصبرت، وتروى قصص السيرة فى ذلك الكثير والكثير.
لكن أكثر الذي آلم السيدة أسماء كان موت ابنها عبد الله بن الزبير وصلبه على يد بنى أمية، وعبد الله كان حبيبها، ابنها الأول، وفتى المدينة الأول فقد كان أول مولود للمسلمين فى المدينة، لكن بنى أمية أرادوا أن يحولوا الخلافة إلى "ملك عضوض" ورفض الأحرار ومنهم الحسين وابن الزبير ذلك، وقتل الحسين فى كربلاء 61 هجرية، وفى سنة 73 هجرية قتل عبد الله بن الزبير وصلب.
تقول كتب السيرة إنه بعدما اشتدت الأزمة على ابن الزبير ذهب إلى أمه أسماء، وقد كبرت فى السن وفقدت بصرها، وشكا خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، والقوم «ويقصد الأمويين» يعطونه ما شاء من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: «يا بنى، أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك، يلعب بها غلمان بنى أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق فما وهن الدين، وإلى كم خلودكم فى الدنيا؟ القتل أحسن.. فدنا منها، فقبل رأسها».
ولما خرج عبد الله من عندها قالت أسماء "اللهم إنى قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فقابلنى فى عبدالله بن الزبير بثواب الصابرين الشاكرين".