استقبلت القاهرة قادة النضال الوطنى ضد سياسة التمييز العنصرى فى جنوب أفريقيا، واستقبلهم الرئيس جمال عبدالناصر، وبعد أيام قليلة من هذه الزيارة أعلنت مصر قطع علاقاتها مع «حكومة بيرتوريا» يوم 30 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1961، بحسب «أحمد يوسف القرعى» فى كتابه «ثورة يوليو وتصفية الاستعمار فى أفريقيا»، و«بيروتوريا» كانت عاصمة «جنوب أفريقيا العنصرية».
كان وفد القادة الأفارقة يتكون من «أوليفر تامبو»، نائب رئيس «المؤتمر الوطنى الأفريقى» وثلاثة من أعضاء حزبه، وسكرتير حزب مؤتمر الجامعة الأفريقية ورئيس حزب المؤتمر الهندى لجنوب أفريقيا، ورئيس الحزب الوطنى لجنوب غرب أفريقيا «سوانو».
كانت مصر وقتئذ تواصل دورها فى دعم الثورات الأفريقية ضد الاستعمار، بقيادة أسماء كبيرة، مثل، نكروما، وسيكوتورى، وكينياتا، وبن بيلا، ولومومبا، وكاوندا، ونكومو، ونيريرى، ويؤكد محمد فائق مسؤول الشؤون الأفريقية فى رئاسة الجمهورية وقتئذ ومهندس الاتصال مع كل الثورات الأفريقية فى كتابه «عبد الناصر والثورة الأفريقية»، أنه بالرغم من كل هذه الأسماء فإننا «نستطيع بكل الاطمئنان أن نقول إن جمال عبدالناصر لعب الدور الأخطر والأعظم بشهادة التاريخ، وشهادة هؤلاء أنفسهم.. استطاع أن يرد الثقة والكرامة لشعوب أفريقيا التى قهرها الاستعمار وأطبق على أنفاسها قرونًا طويلة، وزرع فى كل أفريقى ذلك الإحساس بالعزة والكرامة والكبرياء والفخر».
يذكر «القرعى» أنه بعد لقاء قادة النضال فى جنوب أفريقيا بالرئيس عبدالناصر، قال «أوليفر تامبو» إن الرئيس المصرى أبدى عطفه الشديد على كفاح الأفريقيين ضد سياسة التفرقة العنصرية التى تتبعها جنوب أفريقيا، وأضاف أن زيارتنا للقاهرة مثمرة جدًا، وهو يترك للأحداث المهمة المقبلة إعلان نتيجة اتصالاته فى مصر، ونستطيع الآن أن نغادر القاهرة ونحن واثقون من التأييد والتعاون المخلص من جانب الحكومة والاتحاد القومى، والاتحاد الدولى للعمال العرب فى عمل من شأنه أن يزيد الضغط على حكومة اتحاد جنوب أفريقيا لتعدل عن سياستها العنصرية البغيضة».
بعد أيام قليلة من هذه الزيارة أعلنت مصر قطع علاقاتها مع حكومة جنوب أفريقيا، وقالت وزارة الخارجية المصرية، فى بيانها:«إن سياسة التفرقة العنصرية التى تتبعها جنوب أفريقيا تجاوزت حدها فى إهدار حقوق الأفريقيين، واتهمت جنوب أفريقيا باستهتارها بالضمير العالمى، وأن قصر الانتخابات على البيض إهدار لسيادة القانون، وأن استناد مصر إلى الإيمان بالمبادئ وإلى إجماع الضمير العالمى تقرر عدم اعترافها بالحكومة الجديدة فى جنوب أفريقيا، وتصر على قطع العلاقات السياسية معها وعلى سحب بعثتها الدبلوماسية من هذه البلاد».
يذكر«القرعى» أن ممثلى حركات تحرير جنوب أفريقيا بالقاهرة بعثوا ببرقية إلى الرئيس عبد الناصر قالوا فيها:«باسم جبهة جنوب أفريقيا التى تعمل نيابة عن ملايين المضطهدين فى جنوب أفريقيا، يود مكتب القاهرة أن يعرب لفخامتكم ولحكومة مصر وشعبها عن شكره وتقديره بالخطوات المهمة جدًا ضد حكومة جنوب أفريقيا، وطالما أبدى شعب جنوب أفريقيا موافقته وإعجابه بالدور الذى تقومون به فخامتكم وحكومة مصر فى الحركة التقدمية، وفى تحرير أفريقيا من الاستعمار بصوره القديمة والحديثة، ومن الأطماع التوسعية».
هذا الشكر لعبدالناصر جاء فى سياق تقدير عام له من قادة النضال فى جنوب أفريقيا، ويعبر عنه الزعيم التاريخى«نيلسون مانديلا»أول رئيس لجنوب أفريقيا»10 مايو 1994-1999، بعد سقوط سياسة التمييز العنصرى وبعد خروجه من السجن الذى ظل فيه 27 عاما، حيث يقول فى مذكراته«مسيرة طويلة نحو الحرية»، ترجمة، دكتورة فاطمة نصر، عن«دار الهلال–القاهرة»: «كانت مصر نموذجا مهما لنا فقد كان أمامنا على الطبيعة برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أطلقه جمال عبدالناصر، فقد حدد الملكية الخاصة للأراضى الزراعية، وأمم بعض قطاعات الاقتصاد، وكانت له الريادة فى بدء برنامج سريع للتصنيع، وجعل التعليم ديمقراطيًا وبنى جيشًا حديثًا، وكانت كثير من تلك الإصلاحات هى بالتحديد مايطمح المؤتمر إلى أن يحققه، وكان الأهم بالنسبة لنا فى ذلك الوقت أن مصر كانت الدولة الأفريقية الوحيدة التى تمتلك جيشا وأسطولا بحريا وجويا يمكن أن يقارن بذلك الذى تمتكله جنوب أفريقيا».
لم يكن«مانديلا» أحد قادة «المؤتمر الوطنى» ضمن وفد بلاده الذى اجتمع مع عبدالناصر، وإنما زار القاهرة فى عام 1962، ووفقًا للقرعى: «وافقت زيارته زيارة الرئيس اليوغسلافى تيتيو لمصر، ولم يتح له الانتظار حتى يتفرغ الرئيس عبدالناصر لمقابلته».. يتذكر «مانديلا» ما حدث أثناء زيارته، وذلك أثناء تكريمه فى جامعة القاهرة عام 1965، حيث قال كلمته الشهيرة: «كان لدى موعد تأخر مع رجل رفعت رأسى من بعيد كى يرانى، ثم حالت ظروف قاهرة بينى وبينه لألقاه، وحين جئت إلى مصر فقد كان سوء حظى أن جمال عبدالناصر لم يعد هناك.. سأزور فى مصر ثلاثة أماكن.. الأهرامات والنيل العظيم وضريح جمال عبدالناصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة