خلال الثمانى سنوات الأخيرة، بدأت معالم التحالفات الجديدة فى الشرق الأوسط تتشكل، ويمكن حصرها فى تحالفين رئيسيين، التحالف الأول: تمثله دول الاعتدال العربى الرئيسية "مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة"، وهو تحالف يسعى قادته لاستعادة الأمن والاستقرار فى الإقليم بعد ثمانى سنوات من التوترات وانتشار الإرهاب، كما يعمل على الحفاظ على ما تبقى من المصالح العربية وملء الفراغ الجيوسياسى فى الإقليم والذى مهد لدول تعادى المصالح العربية أن تشغله وتوظفه لصالحها، أما التحالف الثانى فتمثله "تركيا وإيران وقطر"، ويمكن أن نطلق عليه "ثالوث الشر"، فهم عملوا خلال هذه السنوات من الفوضى وعدم الاستقرار لتغيير معالم الشرق الأوسط، عبر أذرع ومليشيا مسلحة وتنظيمات إسلامية مدعومة وممولة منهم، على تفجير المجتمعات العربية من الداخل، والعمل على إسقاط الجيوش الوطنية فى هذه الدول بما يخلق واقع جديد يخدم على مصالح العثمانيين الجدد فى أنقرة، ودولة الملالى فى طهران، ونظام الحمدين فى الدوحة، وبلا شك يخدم بشكل غير مباشر على مصالح وسياسة إسرائيل فى الإقليم.
- واشنطن وتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية:
ما أن أعلنت المسئولة الإعلامية بالبيت الأبيض، سارة ساندرز منذ يومين من أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تعمل على تصنيف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا أجنبيا، وأن هذا التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية، انتفض "ثالوث الشر" فى الإقليم، فمن قلب العاصمة القطرية الدوحة كان يتواجد وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، الذى أعلن رفضه لهذا الأمر، مؤكدا أن الولايات المتحدة ليست فى وضع يؤهلها لتصنيف الآخرين كمنظمات إرهابية.. هذا الموقف يتسق تماما مع الأيديولوجيا السياسية التى يمثلها نظام الملالى فى إيران، فهى أيديولوجيا لا تختلف فى شىء عن أيدلوجيا جماعة الإخوان، التى سعت خلال حكمها لمصر أن تخلق نظاما شبيها بإيران، مستبدلة فقط وصف نظام "ولاية الفقيه" بنظام "ولاية المرشد" الذى يحكم من خلف الستار ويتحكم فى كل مؤسسات الدولة ويتعامل معها كعرائس ماريونيت، ولا ننسى أن نظام المرشد فى مصر سعوا خلال حكمهم إلى نقل تجربة الحرس الثورى الإيرانى، وعملوا بالفعل على ذلك وعقدت لقاءات متبادلة بينهم سواء فى القاهرة أو فى عواصم أخرى، وكان الهدف منه أن تكون هناك مليشيا مسلحة فى مصر تأتمر بأمر مرشد الجماعة وتكون موازية لقوات الجيش.
وموقف طهران يقابله مواقف إخوانية داعمة لهم طوال الوقت، ظهرت جلية خلال حكم مرسى، من زيارته لطهران ومن استقباله فى القاهرة للرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد، وهى خطوة اعتبرت تجاوزا لمصالح الدولة المصرية، التى ربطت أى انفتاح فى علاقة طهران بالقاهرة بتوقف دولة الملالى عن التدخل فى شئون الدول العربية، والتوقف عن تصدير الثورة الإيرانية والتشيع للبلدان العربية، وهى سياسة عملت عليها طهران منذ سقوط نظام الشاه فى إيران 1979، ولا ننسى أن تنظيم الإخوان كان من أشد الداعمين للثورة الإيرانية، ولعل اعتراف يوسف ندا أو كما يطلق عليه "بنكنوت التنظيم"، فى لقائه على الجزيرة القطرية منذ سنوات مع الإخوانى أحمد منصور، حيث اعترف أنه وقيادات فى التنظيم الدولى للإخوان كانوا على تواصل مع الخمينى إبان تواجده فى باريس قبيل اندلاع الثورة الإيرانية.
ولا يختلف عن موقف طهران فى شىء موقف العثمانيين الجدد فى أنقرة من سعى واشنطن لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، هم أيضا أعلنوا رفضهم لهذه المساعى، ووصف حزب العدالة والتنمية التركى جماعة الإخوان بـ"الشقيقة"، وهى فعلا شقيقة، فأيديولوجيا النظام الحاكم فى تركيا هى نفسها أيديولوجيا الإخوان التى أرساها نجم الدين أربكان، وعمل أردوغان منذ 2002 على تطويعها وتقديمها بشكل مختلف لتتوافق مع مصالح قوى دولية، ليتم القبول به كجزء من اللعبة الإقليمية.
إذا، ثالوث الشر "أنقرة - طهران - الدوحة" فى المنطقة لديهم مواقف معلنة وواضحة بأشكال مختلفة من سعى إدارة ترامب وضع الإخوان على قوائم الإرهاب، لأن حدوث ذلك يعنى فرض قيود على حركة المنتمين للإخوان وبالتالى على نشاط التنظيم الدولى للجماعة، كما أنه سيفرض عقوبات اقتصادية على الدول والمنظمات والأشخاص ممن لهم علاقات مع الإخوان، وستنهار أمام هذا القرار كل استراتيجيات "تحالف الشر" المبنية على الدعم اللامحدود لأفراد وتنظيم الإخوان فى كل نقاط الإقليم الساخنة، سواء كان دعما ماليا أو عسكريا أو لوجيستيا أو إعلاميا.
وضع الحرس الثورى على قوائم الإرهاب:
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية فى الثامن من أبريل الماضى الحرس الثورى الإيرانى على قوائم الإرهاب، وهى خطوة ضمن خطوات أخرى قامت بها واشنطن لتشديد العقوبات على نظام الملالى فى طهران، والحد من أنشطته فى الإقليم والعالم.
أعقب القرار مواقف واضحة من تحالف الإرهاب، رافضة الخطوة الأمريكية، فأعلن نظام الحمدين فى الدوحة على لسان وزير الخارجية القطرى محمد بن عبد الرحمن آل ثانى اعتراضه على القرار قائلا إن "الإجراءات أحادية الجانب لا تقوم بعلاج أى مشكلات"، وهو موقف يتسق تماما مع السياسة القديمة والجديدة للدوحة منذ انقلاب حمد بن خليفة على والده فى يونيو 1995، سياسة اعتمدت على تعميق التعاون الحيوى بين طهران والدوحة تتخطى مصالح دول الخليج العربى المتضررة من سياسات إيران، وعبر عن هذه السياسة أكثر من مرة وزير خارجية ورئيس وزراء قطر السابق حمد بن حاسم آل ثانى، وأثبتها أحداث السنوات الماضية، وهى سياسة خلصت أن قطر بمقدورها أن تتحرك بحرية بعيدا عن مصالح الرياض وأبوظبى وباقى دول مجلس التعاون عبر تقوية علاقة الدوحة بطهران، والمساعدة فى سعى إيران للسيطرة على المشهد الخليجى والعربى فى مقابل ضمان دعم لا محدود من طهران للنظام القطرى.
أما تركيا "أردوغان"، فاعترضت هى الأخرى على خطوة واشنطن بوضع الحرس الثورى الإيرانى على قوائم الإرهاب، واعتبرت على لسان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو خلال مؤتمر صحفى فى الدوحة، أن هذا القرار الأمريكى لا يمكن تعميمه، مضيفا "لا يمكن لأى دولة إعلان قوات مسلحة لدولة أخرى منظمة إرهابية"، وهذا ادعاء باطل وهراء من أوغلو، لأن الحرس الثورى الإيرانى وفقا لهيكله وأنشطته الداخلية والخارجية، لا يصنف كجيش بقدر ما يصنف كتنظيم مسلح أسسه الخمينى ليحافظ على نظام الملالى، وله مليشيا مسلحة تأتمر بأمره فى العراق وسوريا واليمن ولبنان، وله أنشطة اقتصادية عابرة للحدود الإيرانية تسخر عائداتها لتحقيق أهدافه، فلا عجب إذا من امتعاض أوغلو على القرار الأمريكى خاصة أن هناك تعاونا ومصالح اقتصادية متداخلة بين أنقرة والحرس الثورى الإيرانى، وبالتأكيد هذا القرار سيضر بشكل هذا التعاون.
مقاطعة الرباعى العربى للدوحة:
كانت السياسات القطرية التى انتهجها نظام الحمدين منذ انقلاب حمد على والده، سببا رئيسا فى قيام الرباعى العربى "القاهرة - الرياض - أبوظبى - المنامة" باتخاذ موقف موحد بعقاب النظام القطرى فى الـ5 من يونيو 2017 ومقاطعته وتعرية سياساته بشكل كامل أمام العالم أجمع، خاصة من دعمه الواضح لكل التنظيمات الإرهابية وأيديولوجيا الإسلام السياسى فى الإقليم بكل أشكال الدعم سواء مالى أو عسكرى أو إعلامى، وتأمره على أمن واستقرار مصر ودول الخليج العربى خاصة السعودية والإمارات، واتساق جميع سياساته مع العثمانيين الجدد فى تركيا ونظام الملالى فى إيران رغم علمه أن سياسات هاتين الدولتين معادية للمصالح العربية، لكنه اختار الاصطفاف معها، وعليه لم نتعجب من الرفض التركى والإيرانى من المقاطعة العربية لنظام الحمدين، رفض لم يقتصر على الدعم الكلامى للدوحة بل تحول لدعم ملموس على الأرض، فأنقرة استجابت لطلب نظام الحمدين وأرسلت قوات عسكرية للدوحة لحمايته، وتلقت أنقرة مقابل ذلك دعما ماليا قطريا كبيرا لمواجهة أزمتها الاقتصادية، كما تلقت دعم قطرى بتحمل تكاليف بعض صفقات السلاح التركية، وهذا قد يسلط الضوء على ترتيب قطر المتقدم فى قائمة متصدرى الدول المستوردة للسلاح، قد يتخيل البعض أن صفقات هذه الأسلحة تذهب للجيش القطرى، لكن الحقيقة أن صفقات وتعاقدات السلاح القطرية ذهبت لتركيا وذهبت أيضا للمليشيات الإرهابية فى ليبيا واليمن وسوريا فى وقت سابق.
أما إيران فوسعت من تعاونها الاقتصادى مع نظام الحمدين فى محاولة منها لتخفيف العقوبات العربية على الدوحة.
أحداث ليبيا وسوريا والسودان واليمن:
لعل الأحداث والأزمات التى نشهدها فى الدول العربية ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية منها تكشف لنا حقيقية ثالوث الشر، وكيف توحدت جميع سياساتهم حول هذه الأزمات، ففى ليبيا التى تشهد حاليا تحركات من الجيش الوطنى الليبى خليفة حفتر لاستعادة العاصمة طرابلس من التنظيمات الإرهابية المسلحة، ستجد أن الداعم الأهم للإرهاب فى ليبيا هى أنقرة والدوحة وطهران، وذلك لأن مصالحهم مع هذه التنظيمات الإرهابية هناك وليس مع الجيش الوطنى الليبى، لذا تلقت ولا تزال مليشيا طرابلس دعما عسكريا لا محدود من أنقرة والدوحة، وهو دعم واضح وصريح منذ بداية الأزمة الليبية، أما طهران فانتقل دعمها لأيديولوجيا الإرهاب السياسى فى ليبيا من السرية إلى العلن، وظهر هذا خلال الأيام الماضية مع ضبط شحنة أسلحة إيرانية فى ميناء مصراتة الليبى، كانت متجهه للمليشيات الإرهابية، وهى تحركات تتم وفق تنسيق وتعاون وتبادل أدوار مع باقى تحالف الشر المتمثل فى تركيا وقطر، فثالوث الشر هذا يجمعهم الهدف الواحد وهو توفير كل سبل الدعم لأيديولوجيا الإسلام السياسى.
أما الأزمة السورية، فكان تحالف الشر فى طليعة رأس الحربة للوصول بسوريا لهذا المشهد وجعلها بؤرة تجمع لكل العناصر الإرهابية من مختلف دول العالم، أى نعم أن التنظيمات الإرهابية هناك انهزمت وبدأت بالانحسار، لكن ما فعله تحالف الشر لنينسى خاصة أن النتيجة لتآمرهم على سوريا، كان سقوط العشرات من القتلى، وملايين من اللاجئين مشتتين فى دول العالم.. تركيا أردوغان كان دورهم الرئيسى جعل تركيا المعبر الرئيسى والوحيد لكل العناصر الإرهابية التى شكلت فيما بعد تنظيمات كالجيش السورى الحر وجبهة النصرة وداعش، بجانب تسهيل الحركة والعبور، عملت أنقرة على خلق تعاون اقتصادى مع هذه التنظيمات، منه تستفيد تركيا ومنه تتوفر لهذه التنظيمات مصدر تمويل ثابت، ولعل ما كشفه الروس من قبل وما كشفته اعترافات الدواعش المقبوض عليهم حاليا فى العراق، وما كشفته وثائق التنظيم نفسه تثبت هذا الدور التركى القذر فى سوريا والعراق، وهو ما وظفه أردوغان بعد ذلك من تحقيق أحلامه التوسعية باحتلال الشمال السورى.... أما قطر فنسقت مواقفها فى الأزمة السورية، ووفرت الدعم العسكرى والمالى والإعلامى واللوجيستى للتنظيمات الإرهابية، وحملت على عاتقها أيضا مهمة تجميل صورة هذه التنظيمات أمام الجمهور العربى والعالمى، وعمقت تعاونها معم واستضافتهم فى الدوحة، وكان اعتمادها الأساسى على الثروة الهائلة المتوفرة لها جراء مبيعات الغاز، فعملت من خلال هذه الثروة أن توجد لها دور أكبر منها ومن إمكانياتها، ووجدت ضالتها فى دعم مليشيا الإسلام السياسى...أما إيران، فَلَو كان دورها فى سوريا بجانب الروس والجيش السورى ساعد بشكل جزئى فى القضاء على تنظيمات أخرى مدعومة من أنقرة والدوحة، لكن هذا لا ينفى حقيقة أن طهران اعتمدت فى ذلك على مليشيا الحرس الثورى وحزب الله، ولا ينفى حقيقة أن طهران لا يعنيها سوريا الدولة على الإطلاق، بدليل أن تعنت طهران فى سحب مليشياتها من سوريا، وظفته تل أبيب بعد ذلك بهجمات فى الداخل السورى، وبتحركات أخرى انتهت بقرار واشنطن الاعتراف بسيادة إسرائيل على السيادة على هضبة الجولان السورية.
وإذا انتقلنا للأزمة اليمنية، سيتضح أمامنا الدور الذى يلعبه تحالف الشر، فإن كانت مواقف دول الاعتدال العربى هى دعم الحكومة الشرعية ومنع سيطرة الحوثيين على اليمن، فإن إيران مثلا متداخلة بشكل كبير هناك عبر دعم عسكرى لا محدود لمليشيا الحوثى، فهى تسعى من دعمها لهذه الميليشيا تهديد أمن السعودية، وتهدف لخلق نظام موالى لها فى اليمن يكون خنجر فى الجسد الخليجى والسعودى، شبيه بدويلة حزب الله فى لبنان...أما قطر، فلعل من مميزات المقاطعة العربية لنظام الحمدين فى الدوحة، أنه كشف حقيقة مواقفهم ودورهم فى اليمن، فما حاولوا إخفاءه قبل المقاطعة من ادعاء الوقوف مع الحكومة الشرعية ضد الحوثيين، بل والمشاركة الصورية فى التحالف العربى، كل هذا انكشف بعد المقاطعة العربية فى يونيو 2017، فهى أجبرت الدوحة على إعلان موقفهم من أزمة اليمن، وظهر ذلك بالدعم الإعلامى اللامحدود من الجزيرة وجميع المنصات الإعلامية الممولة قطريا فى إسطنبول ولندن لمليشيا الحوثى ضد قوات التحالف العربى، وتطور الدعم القطرى لمليشيا اليمن بتنسيق المواقف مع طهران وأنقرة، وتوفير دعم مالى لبعض صفقات وشحنات الأسلحة التى تصل للحوثى، وكل هذا فقط نكاية فى الرياض وأبو ظبى.
وبالنسبة للسودان، فإذا رجعت لفترة حكم البشير، ستكتشف أن تحالفات هذا النظام اقتصرت بشكل رئيسى على تحالف الشر "تركيا - طهران - قطر"، لذا لا تجد غرابة من حالة الرعب التى سيطرت على حكام هذه الدول من سقوط نظام البشير ووجود حكام جدد فى السودان، يتبنون سياسة قطيعة كاملة مع تحالف الشر، وإرجاع السودان لمربع الاعتدال العربى المتمثل فى مصر والسعودية والإمارات.
ختاما... تشابكات ثالوث الشر:
لو ركزنا فى خريطة تشابكات ومواقف "تحالف الشر" وحاولنا تجمعيها، ستتلخص فى التالى:
- دعم لا محدود مليشيا الإرهاب فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن.
- دعم لا محدود لأيديولوجيا الإسلام السياسى سواء كانت الإخوان أو القاعدة أو داعش أو مليشيا الحشد الشعبى أو مليشيا حزب الله أو حماس.
- موقف مشترك رافض للعقوبات الأمريكية على إيران.
- مواقف مشتركة رافضة للمقاطعة العربية لنظام الحمدين فى الدوحة.
- مواقف عدائية مشتركة ضد الإدارات السياسية الحاكمة فى مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
- مواقف مشتركة للأدلجة الدينية للقضية الفلسطينية.
- مواقف مشتركة ضد الإمارات فى حقوقها التاريخية بالجزر الإماراتية التى تحتلها إيران.