«الذهب» رسم لنفسه قيمة كبرى، وأهمية بالغة، منذ أكثر من 5 آلاف سنة، ويكفى أن الفراعنة أدركوا قيمة الذهب، وأن أقدم مخطوط يرصد أماكن وجود الذهب، يعود تاريخه إلى 1900 قبل الميلاد، وأن أول خريطة لمناجم الذهب تعود للأسرة الفرعونية التاسعة عشرة، ما يؤكد أن الفراعنة توصلوا لقيمة الذهب الاقتصادية، وتأثيره فى تدشين الحضارات.
ويلعب الذهب دورًا مهمًا فى الأداء الاقتصادى العالمى، فيكفى أن للغطاء والاحتياطى من الذهب تأثيرًا مهمًا فى السياسات النقدية فى مختلف دول العالم.. وتتصدّر الصين الإنتاج العالمى بما يقرب من 450 طنٍّا سنويًا.. وفاتورة الاستهلاك العالمى من استخدام الذهب، مقسمة ما بين 50% تدخل فى صناعة الحلى، و40% فى الاستثمارات، وما يقرب من 10% فى الصناعة.
ويشهد حاليًا السوق العالمى للذهب صراعًا ومنافسة شرسة، بين البنوك المركزية العالمية، على عملية الشراء، لدرجة أن خبراء اقتصاديين وصفوا المنافسة بحالة شراء مستعرة، لم يشهد لها التاريخ المصرفى مثيلًا من قبل، وأرجعوا الأسباب إلى حالة عدم اليقين الجيوسياسى التى تجتاح العالم، وحالة القلق أيضًا من اندلاع أزمة مالية جديدة، على غرار الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى جانب الرغبة فى تخفيف التعلق بالدولار.
ونجم عن الحالة المستعرة للبنوك المركزية الكبرى فى العالم، لشراء الذهب، زيادة كبرى فى تخزين المعدن النفيس، ليصل ما يقرب من 34 ألف طن «ترقد» حاليًا فى خزائن البنوك، أى ما يوازى 17 فى المائة من إجمالى الذهب المستخرج على مر التاريخ.. وتقدر قيمتها السوقية حسب الأسعار الحالية «للأونصة» 1.4 تريليون دولار.. وهى ثروة طائلة ترقد فى الخزائن..!!
الغريب، أنه وقبل عام 2010 كانت البنوك المركزية، تبيع نسبة كبيرة من احتياطى الذهب، واستمرت عمليات البيع ما يقرب من 20 عامًا، ومؤخرًا عادت البنوك المركزية إلى الشراء وبشراهة حتى بلغت المشتريات عام 2018 مستوى لم تبلغه منذ نصف قرن تقريبًا.
عملية شراء الذهب فى زيادة مطردة، وبشكل قوى وفقًا لخبراء السوق، لكن السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا هذا الإقبال على المعدن الأصفر فى وقت أطلت فيه العملات الرقمية والافتراضية برأسها..؟! وما حاجة البنوك المركزية إلى كل هذه الكميات الضخمة من الذهب..؟!
وللإجابة على هذا السؤال، فإن خبراء أكدوا أن الدول الناشئة مثل الصين، أظهرت نهمًا شديدًا على شراء الذهب وتكديسه، فى تنوع احتياطياتها بعيدًا عن «أحادية الدولار»، وذلك لتخفيف الارتباط بالعملة الأمريكية، ويدخل فى ذلك اعتبارات جيوسياسية والتغير الهيكلى التى تشهدها التجارة الدولية والرؤى الخاصة بمستقبل الدولار على المدى الطويل.
بجانب دخول روسيا، منذ عام 2018 فى سباق الشراء، ليصل ما تكدسه إلى 274 طنًا من الذهب، وهذه الكمية غير مسبوقة، وحصلت فى موازاة تسييل روسيا ما كان بحوزتها من سندات خزانة أمريكية. ومع هذا التراكم الإضافى، تقترب روسيا اليوم من مخزون كان لدى الاتحاد السوفيتى قبيل انهياره فى عام 1990.
ومن ثم فإن روسيا والصين تدخلان حاليًا نادى الدول التى لديها ألف طن من الذهب، وأكثر، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية التى تستحوذ وحدها على ربع مخزون الذهب العالمى، ثم ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا.. لكن يبقى مخزون الذهب فى روسيا والصين أقل من مخزون الدولار بخلاف الدول الأخرى محل المقارنة..!!