عبر سنوات طويلة ورغم وفاته منذ ما يقرب من 70 عاما كان ولا يزال صوت الشيخ محمد رفعت أجمل الأصوات التى رتلت القرآن، وحملت حنجرته الذهبية كلام الله عبر أجيال عديدة، وتوحد فى عشق صوته محبون من كل الأديان والأطياف، مسلمون ومسيحيون ويهود، وفنانون ومفكرون ومشايخ وقساوسة، أذهل العالم وهو يرتل كلام الله وكأنه ينافس ملائكة السماء ولا ينتمى لأهل الأرض، وظل هذا الصوت ولا يزال أحد المعالم الهامة لشهر رمضان، فرسخ فى وجداننا، واعتدنا أن ننتظر مدفع الإفطار ونحن ننعم بصوته الملائكى الذى ينقلنا من الأرض إلى عنان السماء.
ويعتبر صوت الشيخ رفعت وتسجيلاته من أهم الكنوز التى تتوارثها الأجيال، ولكن هل تصدق أن نصف هذا التراث والكنوز لم ير النور بعد، وأن كل ما نستمع إليه من تسجيلات الشيخ رفعت لا يتعد نصف التسجيلات التى جمعتها أسرته بعد وفاته، وأن النصف الأخر بما يحويه من روائع تسعى أسرته منذ سنوات طويلة بين المسئولين فى محاولة لإخراجه إلى النور وإلى آذان عشاقه دون جدوى ودون اهتمام؟.
ورغم أننا عرضنا هذه القضية منذ عام فى حوار أجريناه مع الحاجة هناء حسين حفيدة الشيخ محمد رفعت وابنة أصغر أبنائه، لم يتحرك أى مسئول لإنقاذ هذا التراث والكنز الذى تتهافت عليه دول إسلامية أخرى وترغب فى شرائه، ولكن الأسرة تتمسك بأن تكون هذه الكنوز فى حوزة الإذاعة المصرية التى كان يفضل الشيخ رفعت أن يصل صوته من خلالها إلى محبيه، ويرفض كل الإغراءات التى عرضت عليه وبمبالغ طائلة لقراءة القرآن خارج مصر.
فبعد وفاة الشيخ محمد رفعت لم تكن الإذاعة المصرية تمتلك سوى شريطين من تسجيلاته، أحدهما لجزء من سورة مريم والثانى لجزء من سورة الكهف، ولم يكن تراث الشيخ وصوته سيصل إلينا لولا دور أحد محبيه وهو زكريا باشا مهران، أحد أعيان أسيوط وعضو مجلس الشيوخ المصرى قبل ثورة يوليو، وكان من عشاق صوت الشيخ رفعت، فكان يحرص على تسجيل حفلاته التى تذاع على الهواء على أسطوانات بعدما اشترى جهازين من أجهزة الجرمافون لهذا الغرض، وأثناء مرض الشيخ رفعت الذى تسبب فى توقفه عن قراءة القرآن لمدة 8 سنوات قبل وفاته أهدى زكريا باشا إلى الإذاعة إحدى هذه الأسطوانات.
وأكدت الحفيدة، أن أبناء الشيخ رفعت كان كل همهم بعد وفاة والدهم جمع تراثه، وسافروا إلى عزبة زكريا باشا وكان قد توفى فأهدتهم زوجته زينب هانم مبارك كل التسجيلات التى سجلها زوجها.
وأوضحت الحفيدة، أن أبناء الشيخ رفعت ظلوا طوال حياتهم عاكفين على إعادة إصلاح ومعالجة هذه الأسطوانات، وأن والدها أهدى الإذاعة 15 ساعة بصوت الشيخ رفعت دون مقابل، وهى كل التراث الذى نسمعه حاليا لقيثارة السماء، وحاول الأحفاد استكمال المسيرة لإنقاذ 15 ساعة أخرى بصوت الشيخ رفعت لم تر النور بعد، ولم تصل إلى آذان محبيه، ولكن بقدر إمكانياتهم الضعيفة، حيث تحتاج هذه المعالجة إلى استوديوهات عالية التقنية.
وأشارت الحفيدة، إلى أن الأسرة لجأت للإذاعة المصرية للمساعدة فى معالجة هذا التراث وإذاعته، ولكن مسئولى الإذاعة رفضوا بزعم أن الاستديوهات غير مؤهلة ولا يوجد إمكانيات تقنية لمعالجة هذا التراث وأنهم يريدون هذا التراث جاهزا، وفى المقابل عرضت دولاً أخرى على الأسرة شراء هذه الكنوز ولكن أبناء وأحفاد الشيخ رفعت رفضوا، كما أن وزارة الثقافة تحمست فى عهد الوزير فاروق حسنى لعمل مشروع كبير لإعادة إحياء تراث الشيخ رفعت، ولكن توقف بعد ثورة يناير.
فهل يعقل أن نفرط فى هذه الكنوز من تراث الشيخ محمد رفعت وألا يهتم المسئولون بهذه الروائع التى تتهافت عليها الدول، وهل لا يستحق نصف تراث قيثارة السماء أن يجد من يهتم به ليخرج إلى ملايين المحبين فى مصر والعالم؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة