محمد حبوشه

لمس أكتاف .. قوة الرسالة وبراعة الأداء!

السبت، 01 يونيو 2019 01:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الدراما مثل الوجبات الغذائية، ولأنها يمكن أن تفقد شهيتها بتكرار تناولها فلايمكن للإنسان أن يتناول نوع واحد من الطعام لفترة طويلة، ومن هنا أصبح وجود دراما الأكشن في التليفزيون أمر ضروريا للغاية في الآونة الأخيرة، في ظل عصر يموج بالتحولات الكبرى، وخاصة إذا كان يعتمد هذا اللون الدرامي على "الصراع الصاعد"، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﻭﻳﻨﻤﻮ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﺪﺭﺍﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﺁﺧﺮها، وأيضا يسانده صراع آخر هو"ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺮﻫﺺ" ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﺣﺪﻭﺛﻪ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻤﺎ ﺳﻴﻘﻊ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﻮﺍﻝ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻀﻌﻒ ﻋﻨﺼﺮ ﺍﻟﺘﺸﻮﻳﻖ، ﻭظني إنه ﺇﺫﺍ ﺗﺄﻟﻒ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﻣﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﻦ، ﺃﻱ ﻣﻦ "ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺼﺎﻋﺪ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺮﻫﺺ"، ﻛﺎﻥ ﺻﺮﺍﻋﺎً ﺑﺪﻳﻌﺎ في غاياته وتحقيق مآربه، تماما مثل مسلسل "لمس أكتاف" الذي يبدو واضحا أن ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﻘﺪﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺒﻜﺔ فيه ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻄﻞ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺪﻑ المنشود الذي تغلفه رسائل كثيرة تأتي ضمن مشاهد المطاردات وعناصر الحركة التي تساهم في تصاعد الأحداث المشوقة.
 
ربما عبرت وجهات نظر كثيرة منذ بداية الموسم الدرامي الرمضاني عن رفضها لاستغراق مسلسل "لمس أكتاف" بطولة ياسر جلال وتأليف "هاني سرحان" وإخراج "حسين المنباوي"، في تفاصيل التعرض لأوكار المخدرات وأباطرتها من التجار والمتعاطين من فئة الشباب، لكني أختلف مع وجهات النظر تلك جملة وتفصيلا، حيث أرى أن الهدف الرئيسي للمسلسل هو كشف النقاب عن هذه الظاهرة التي تنامت بشكل هائل خلال السنتين الأخيرتين، بشكل يستلزم التصدي لها وسن القوانين التي تحد من انتشارها، فالأرقام المفزعة تشير إلى ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات في مصر، حيث بلغت 10.4%، وبحسب مسئول مصري يعمل في مجال المكافحة فإن ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات خلّف مشاكل اجتماعية وانحرافات أخلاقية كثيرة، بجانب العديد من أشكال العنف"، مشيراً إلى أن 79% من الجرائم التي تُرتكب ترجع إلى تعاطي المواد المخدرة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن التعاطي انخفض إلى ما بين 9 و10 سنوات، وتزايد في الأشهر الأخيرة الإقبال على أصناف مخدرات جديدة بمصر، وفي مقدمتها "استروكس" و"فودو"، حيث باتت تأتي بالمراتب الأولى في نسب التعاطي متقدمة على الأصناف الشهيرة التي كانت أكثر رواجاً في الأعوام الماضية، كـ"ترامادول" والهيروين والحشيش.
 
إذن يبقى الهدف الأسمى أوالرسالة الأوضح للمسلسل هو التنبيه لخطورة تعاطي المخدرات التي لاتقل في آثارها التدميرية عن آثار الإرهاب الذي تواجهه قوات الجيش والشرطة في معركها على الحدود الشرقية والغربية، والأمر المؤكد أكثر أن الجماعات الإرهابية بعد فشلها في تحقيق أهدافها الشريرة تسعى حاليا لانتشار المخدرات بين الشباب المصري لتدميره بدنيا ونفسيا في إطار خطتها اللعينة لاستهداف مقدرات هذه الأمة، وربما لهذا السبب وغيره حقق مسلسل "لمس أكتاف" نجاحا كبيرا ونسب مشاهدة عالية منذ بداية شهر رمضان وتصدر قوائم "التريند" ومؤشرات البحث يوميا فى مصر والعالم العربى، واستطاع أن يفرض نفسه بين الأعمال الدرامية خلال هذا الموسم المفعم بدراما الأكشن، ليثبت أن الفن الهادف لا يزال قادرا على أن يلامس مشكلات المجتمع، وأنه يستطيع  أن يعيش الواقع وينقل تفاصيله ويغوص فى خباياه فيكشف ما يهدده، وأن يضع يده على مناطق الخطر ويضعها أمام المسئولين، كما ظهر فى أحداث المسلسل التى كشفت عن قضية خطيرة فى عالم تجارة المخدرات.
 
القصة التى كتبها المؤلف "هانى سرحان" نجحت في رسالتها  التحذيرية من كارثة الأدوية غير المجدولة ومنها أدوية"ليريكا، وليورين"، التى تستخدم فى علاج بعض الأمراض العصبية والنفسية وتباع فى الصيدليات، ويستخدمها الشباب كمخدر لأنها غير مجدولة وبالتالي يصبح من السهل شرائها، كما لفت الأنظار إلى قضية إدمان مخدر "الاستروكس" وضرورة وجود تشريعات وإجراءات لوقف هذا الخطر، وتلك القضية الخطيرة التى كشفها المسلسل من شأنها أن تضع أمام المسئولين وأعضاء البرلمان، والهيئات الطبية أزمة كبرى يجب تلافيها لمكافحة المخدرات، كما أنها في الوقت ذاته تعيد للأذهان الكثير من المشكلات التى كان للأعمال الفنية دور فى إلقاء الضوء عليها، وساهمت فى تغيير قوانين، ومنها فيلم "أريد حلا، وجعلونى مجرما" ، وفضلا عن المضمون والقصة التى لفتت الأنظار نحو أحد القضايا الهامة والخطيرة، فإن المسلسل يبدو لي مكتملا تماما بما يحمله من كافة عناصر التفوق والتفرد والإبداع التى قدمت القصة المميزة فى قالب فنى مشوق استطاع جذب انتباه المشاهدين، كما يتضح فيه الجهد الرائع لكل العناصر الفنية من ممثلين وإخراج وإنتاج وديكوروموسيقى تصويرية موحية ومناسبة لأجواء الأحداث.
 
وهذا التفوق الفني يقودنا بالطبع إلى إلقاء الضوء على أهم تلك العناصر وهو الأداء، وأبدأ ببطل المسلسل النجم "ياسر جلال" الذي يثبت تفوقه في دراما الأكشن يوما بعد  يوما ومن موسم إلى أخر يطل علينا بكل مختلف وأداء ارتجالي يضعه في مصاف النجوم الكبار في مصر حاليا - بل على المستوى العربي - ربما لأنه يمتلك جسد الممثل الذي يتميز بقدرته على تقديم كل معقد من المعاني والرموز، حيث يقدم دلالاته من خلال مظهره الخارجي، وأفعاله، وسلوكياته، كما أن بمقدرته التعبير عن المكان والزمان، وهو ما يوضح لنا قدرات الممثل الجسدية للتعبير عما بداخله من الخارج إلى الداخل، فالتعبير الجسدي للممثل يتبع إعمال الذهن، ويأتي تجسيدًا للعواطف والانتقالات المحفزة له على الإتيان بالفعل، الذي يبدو للمتلقي حاملًا دلالاتها، لذا فقد اهتم "ياسر جلال" بكل تفاصيل شخصية "أدهم عبد الجابر"، بطل المصارعة الرومانية، فحرص على أن يكون "تون" صوته مميزا وقويا وأجشا وعميقا، ليتناسب مع التكوين الجسمانى للشخصية، وهذا أيضا احتاج إلى تدريبات كثيرة، كما حرص على أن يكون شكله الخارجي مناسبا لشخصية المصارع ، من خلال شكل الذقن والشعر، والحركة، وهو ما مكنه في النهاية من التعبير عن أدق المشاعر والأحاسيس الإنسانية.
 
ويبدو واضحا جدا إن "ياسر" خضع لنوع التدريب القاسي الذي يعتمد على الأكروبات، والتشكيلات الحركية، والتمثيل الصامت إلى جانب تدريبات الصوت، وهذا عادة يتم وفق نظام صارم ومحكم يوميًّا، حتى يصل فيه إلى التحكم التام في لياقة جسمه، فضلا عن ما يحتاجه أداء هذا الدور من مجهود خارق كى يتدرب على على المصارعة الرومانية، بل ويعرف أدق تفاصيلها ويتفوق فيها بما يجعله مقنعا حين يؤدى أصعب مشاهد المسلسل وهو يصارع البطل العالمى "كرم جابر" ويتفوق عليه، كما أنه أيضا تدرب كثيرا على تمارين البواعث، "اليوجا" ليس بمفهومها الشرقي، ولكنها اليوجا الميكانيكية - كما يطلق عليها "جروتوفسكي" - أما العنصر الأهم في هذه التدريبات التي خضع لها طويلا هو تداعي الأفكار، والمعاني التي تظهر مستقلة عن الحركة أثناء التمرين، ولذا فإن هذا النوع من التدريبات يكمن في محاولة اكتشاف ما يمكن أن يحدث أثناء الفعل الذي يقوم به الممثل في حالة التداعي التي تسفر عن هذه المجموعة من الأفعال الصغيرة، وهو ما قد نلاحظه في كثير من المواقف العصيبة التى تعرض لها، وخاصة مشهد قتل "حمزة" لطليق أخته "سامر"، حيث شرد بعقله ووضع يده خلف رأسه بطريقة تلقائية كي يستوعب هذا الموقف الصعب.
 
أما الفنان المتالق في هذا الموسم "فتحى عبدالوهاب" فقد أثبت في أدائه لشخصية "حمزة الحناوي" أن أسلوب أدائه التمثيلي يعتمد على عنصر التجسيد، وليس على مجرد التفسير الصادق للشخصية الدرامية فحسب، بل على الفعل الجسدي الذي يتمتع بمهارات عالية، مثل الحركات الجسدية، التي يقوم بها مهرجو السيرك، ولاعبو الأكروبات، تلك الحركات التي تسعى إلى تحويل الجسد من أجل إثارة الدهشة والإعجاب في الآخرين، وأخيرًا الفعل الجسدي الخارج عن المعتاد أو ما فوق المعتاد، وهو الفعل الذي وضعه "عبد الوهاب" في شكل مقصود، وفي مستوى معين من التحديد والتنظيم، ويكسب الإنسان الممثل لديه مزيدا من المعلومات بغية توليد مجموعة من الدلالات المقصودة، والمحددة للمتلقي بعيدا عن الإطار الثقافي، والدلالات الخاصة به "في المستوى ما قبل التعبيري".
 
لقد أكد فتحي عبد الوهاب أنه في دور "حمزة" تاجر المخدرات أصبح مدرسة فنية متفردة، حيث يستطيع أن يجعل المشاهد فى حالة انبهار دائمة، فقد استطاع أن يستخدم تعبيرات وجهها وابتسامته وصوته في المكان الصحيح، وأن يبدع فى كل مشاهده ، وأن يمتع الجمهور خاصة فى المشاهد التى جمعته بـ "ياسر جلال" والتى كانت عبارة مباراة فنية فى البراعة والإبداع، تعلقت بها أنظار المشاهدين واستمتع بها الجمهور، وذلك بما كان يتوافر لديه من الإحساس و قوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، حيث عاش في الدور واستطاع يتسلل تحت جلد الشخصية و يتقمصها ويعيش في مجتمع الدور بإحساس صادق ، و ذلك للوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، وعلى مايبدو أنه من نوع الممثلين الذين يتدربون سنين عديدة لاكتساب القدرة على تطويع أصواتهم بشكل كبير يسمح لهم بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم، وتحسين قدراتهم الصوتية ومرونة أجسادهم طوال مدة ممارستهم لمهنة التمثيل.
 
على جانب آخر من روعة الأداء، أبهرت الفنانة "حنان مطاوع" الجمهور بأداء شخصية "عايدة" تاجرة المخدرات لتثبت أنها طاقة فنية متجددة، ولا يمكن لك أن تتوقع ما ستفاجئ الجمهور به، صحيح أن الجمهور صدقها فى أدوار  السيدة المستكينة الضعيفة المسالمة ، لكنها في "لمس أكتاف" تدهشنا بشخصية "عايدة" المركبة، القوية، القاسية، ومع ذلك لاتخلو من حس عاطفي جارف أحيانا نحو"حمزة"، وسرعان ما تستفزك فى أكثر من مشهد، ومنها مشهد المواجهة في بداية الحلقات، وهى توزع المساعدات المادية واللحم على منطقة سطوتها "العزبة" ، حيث قامت عايدة بقص شعر السيدة وحرمان المنطقة من أى مساعدات بعدما واجهتها بأنها السبب فيما وصل إليه ابنها وأبناء أهل المنطقة، ولقد أثبتت "حنان مطاوع" أنها من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم، وإنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، وكلها عناصر أصيلة تسكن شخصيتها الفنية.\
 
ويحسب الأداء الجيد أيضا لباقي فريق العمل، ومنهم إيمان العاصى في دور "غادة الحناوي"، ومجدى فكرى في دور"المعلم شحاته"، ومحمد عز في دور "زيدان الحناوي"، وأحمد كشك في دور "سامر"، وشريف دسوقي في دور "عبد المنجي"، وخالد كمال في دور "الضابط علاء"، ولقد اكتملت كل أركان مسلسل "لمس أكتاف" من قصة مثيرة وهادفة وفنانين أدوا أدوراهم بكفاءة وحرفية عالية، فضلا عناصر انتاج تتمتع بالجودة والوعي وفهم رسالة الدراما الحقيقية قدمتها شركة "سينرجى" واستطاع المخرج المتميز "حسن المنباوى" أن يقود فريق العمل بحرفية، ويستغل كل تلك الإمكانات الفنية ليصنع أحد أهم الأعمال الدرامية بأسلوب الأكشن الصحيح الذي يحتاج إلي إمكانات جبارة للمخرج وفريق عمل متميز وقدرات خاصة للبطل لا اعتقد أنها تتوافر في أي من المسلسلات التي قدمت في هذا الموسم الرمضاني.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة