التواضع خلق رفيع ويعنى به لين الجانب، وعدم التعالى، وخفض الجناح للآخرين «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» الشعراء/ 215- وهو صفة محمودة تدل على طهارة النفس، ورفعتها، بل هو صفة الإنسان الذى يعرف قدر نفسه، والمسلم دائمًا متواضع فى غير مذلة، ولا مهانة، ويعفو، ويصفح، ويترفع عن سقط الكلام «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا» الفرقان /72- والتكبر، والتعالى ضد التواضع، والمتعالون فى الأرض يطبع الله على قلوبهم، ويعمى أبصارهم؛ فلا يستشعرون قدرة الله، وعظمته، ولا ينتفعون بآياته الباهرات من حولهم: «كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» غافر /35-، ويُعد إبليس هو زعيم مدرسة المتكبرين فى الأرض، حيث رفض طاعة مولاه فى تنفيذ أمره، جل وعلا، بالسجود لآدم!، «قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين» فكان أول الهالكين، وما أكثر أبالسة الزمان الذين نشاهدهم فى بعض المواقع؛ حيث يحتقرون خلق الله، ويتعالون بسبب ما أسند إليهم من مناصب، أو ما يملكون من جاه، ومآل، فترى الواحد منهم إذا خاصم فجر، ويقول لمحدثه باحتقار: من أنت حتى تُكلمنى؟ اسأل عن أصلى، وفصلى، واعرف أنا ابن من؟، و«أنت مش عارف بتكلم من» إلخ!.
ونسى أن أول من رفع راية «الأنا» هذه هو إبليس فهلك بذلك، وصار من الملعونين، ولو تواضع، ونفذ أمر ربه ما كان ما كان، فلماذا الإصرار على ثقافة التكبر هذه من البعض؟ ولما لا نسرع لنقدم أوراقنا فى مدرسة التواضع واللين، والعفو والرحمة «فالتواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله» هذا كلام رسول الله النبى الأكرم المتواضع، وهو القائل أيضًا: «من تواضع لله رفعه».
ويزيد قائلا : «طوبى لمن تواضع فى غير مسكنة»، ويقول كذلك: «إن الله أوحى إلىَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد».
وللتواضع علامات لمن غابت عنه فبها نُذكّر لأن المجتمع الذى نعيش فيه هو فى أشد الحاجة إلى هذا التذكر «فإن الذكرى تنفع المؤمنين»:
ومن علاماته: ألا يستنكف الرجل أن يساعد أهله فى بيته، ويقضى مصالحه بنفسه طالما لديه القدرة على ذلك، وهذا سيد المتواضعين صاحب الخلق الكريم سيدنا رسول الله يفعل ذلك بطيب نفس؛ تقول عائشة: «كان النبى صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم أهله، كما يعمل أحدكم فى بيته، ...»، ويؤكد أبو سعيد الخدرى على هذا المشهد قائلا: «كان صلى الله عليه وسلم يعلف الناضح «الدابة»، ويعقل البعير، ويُقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا تعب، ويشترى الشىء من السوق فيحمله إلى أهله، ويصافح الغنى، والفقير، والكبير، والصغير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير، وحر أو عبد».
ونحن كنا نود أن يكون أبو سعيد موجودا فى زمننا هذا لينقل صور هذا التواضع الراقى للناس مشافهة فالناس طغت عليهم مشاكل الحياة، وداهمتهم الدّراما اليومية بالسيئ من الأخلاق، فالتواضع فى كثير من المشاهد مفقود، والتكبر من البعض على البعض موجود، وكل يقول نفسى نفسى، ومن بعدى الطوفان، !، وهذا لا يؤدى إلى الأمن النفسي، والاستقرار الأسري، فالأخلاق بها تُبنى الأمم، والدراما التى يدفع لأبطالها الملايين لم توزع سوى الابتسامات المشفوعة بالمقالب والسخرية، والتكبر، وعدم التواضع، وكل ذلك يهدم ولا يبنى، إذ الإثارة هى غايتهم لا الإنارة، ولذا وجب العودة لقيمنا، وأرى: أن توزيع البسمات المشرقة، والمشفوعة بالكلمات المتواضعة على فقراء الأخلاق هو: صدقة جارية فى عالم القيم، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، أما التكبر وعبوس الوجه فهما إعلان لحرب ضروس على الآخرين لا يعلم قيامها إلا علام الغيوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة