ربما تكون تحصيل حاصل.. لكنها كاشفة.. نتحدث عن نتائج استطلاع الرأى الأخير التى تقول إن 86 % من مستخدمى الإنترنت وقعوا ضحية أخبار مضللة على الشبكة الإلكترونية معظمها من «فيس بوك»، وأن المستخدمين فى مصر كانوا الأكثر سهولة فى التعرض للخداع.
الأمر معروف قبل نتائج استطلاع ابسوس، فى العديد من استطلاعات الرأى والأبحاث، وفى كل الانتخابات والأحداث السياسية الكبرى، حيث الأخبار والمعلومات المضللة بطل وعامل مشترك، والاعتراف بحجم التضليل والكذب، جاء فى فى أوروبا وأمريكا، بمناسبة الانتخابات الأمريكية، والأوروبية، استفتاء بريكست وانتخابات أوروبا.
فى استطلاع ابسوس الأخير جاءت الولايات المتحدة الأمريكية فى أول قائمة الدول التى تستهلك أخبارا مضللة، تلتها روسيا والصين، ولم ينج بلد فى العالم من الأخبار المضللة، وفيما يخصنا بمصر فإن كل من يتعامل مع الإنترنت وفيس بوك تعرض مرة ومرات للأخبار المضللة، وبعضها يصعب اكتشافه، لأنه تمت صياغته باحترافية وتعمد، ليدخل ضمن ما أسميه «العنعنات الافتراضية»، ويستسلم فيها المستخدم لما يتلقاه ويراه على صفحات «الفريندز» فينقله ويستخدمه دون أن يعمل عقله، أو يطبق أبسط قواعد المنطق، ويظن أنه صاحب رأى، بينما هو مجرد ناقل.
وربما يكون المستخدم العادى معذورا، وهو يقع فى فخ التضليل، بينما الأمر أكثر عمقا عندما يكون ناشر وكاتب التعليقات والتحليلات من المؤثرين، خبيرا أو ناشطا، عندما يستخدم معلومات مضللة، للبرهنة على وجهة نظر غاضبة ومسبقة.
والأخبار المضلله ليست أخبارا أو معلومات خام، وبعضها مقالات وتقارير وأحيانا مذكرات، بعضها يحصل على التوثيق الكاذب بالنشر فى مواقع ومنصات معروفة، وأقرب مثال، مقال نشرته مجلة «فورين بوليسى» الشهيرة، لقيادى ووزير إخوانى سابق، يتحدث فيه عن الاقتصاد المصرى ويتوقع انهيارا اقتصاديا فى مصر ويدعو لتدخل خارجى، ويخلط القيادى بين أمنياته وأهداف جماعته السياسية، وبالرغم من افتقاد المقال للمنطق، فقد استخدمه بعض النشطاء والخبراء الافتراضيين، ممن لدى بعض موقف معارض للسياسات القائمة، واتخذوا المقال مخرجا لتمرير موقف، مع علمهم بأنه مقال إنشائى يوظف المعلومات بشكل مجتزأ، وهو ما كشفه الدكتور زياد بهاء الدين، وزير الاستثمار الأسبق، فى مقاله بالشروق، حيث يرى أنه سياسى وليس اقتصاديا ويجتزئ الأرقام والمعلومات، ويشير زياد إلى أن المقال «خلا من أى اقتراح أو نصيحة حول كيفية الخروج من المأزق الاقتصادى الذى وصفه باستثناء الدعوة للتدخل الأجنبى».
والدكتور زياد بهاء الدين، حرص على تفنيد المقال، مثلما فعل من تقرير حول نسب الفقر، حرص فيها على التفرقة بين الأرقام ودلالاتها، وهذا النوع من المعالجة يكشف الفرق بين المعارضة، وبين التربص القائم على الغضب، وهو مرض سائد لدى قطاع من خبراء «الولاحاجة»، الذين يفتون ويحللون بناء على مقدمات ومعلومات مجتزأة أو خاطئة.
وهذه التقارير والمقالات التى تنشرها مجلات شهيرة مثل «فورين بوليسى» ومنصات كبرى لها اسمها تسعى لمنح مصداقية لمعلومات مضللة، وهذه المنصات تتحرك ضمن اتفاقات وتحالفات مصلحية، وتوظيف إعلامى بهدف الابتزاز السياسى، وعلاقة الصحافة بالسياسة الأمريكية أمر شائع.
وهو ما يعيدنا إلى كيفية التعامل مع التضليل بمناسبة استطلاع الرأى، حيث يطالب المشاركون بالتصدى لهذا، ويطالب البعض الحكومات وشركات التكنولوجيا بمواجهة أنشطة تساهم فى نمو عدم الثقة بالإنترنت، وتؤثر سلبا على الاقتصادات والحوار السياسى، لكن هذا يتعلق بالأخبار المضللة الظاهرة، لكن مواجهة التضليل الخفى، لا يمكن الرهان فيها على التدخل والمنع، لأن ما تنشره وتبثه منصات ومجالات وصحف مشهورة، لا يتساوى مع التضليل الافتراضى، لكنه يتطلب إعلاما قادرا على المواجهة، وليس مجرد عمل وظيفى تقليدى، فالتضليل ينمو فى ظل التعتيم والحصار وليس العكس، فمن يتم منعهم من العلن، يتحولون إلى منصات تضليل على مواقع التواصل تحت ضغط الغضب والاستبعاد، بينما إتاحة الفرصة لهم تجعلهم أكثر مسؤولية وعرضة للنقد والرد، فإذا كان أكثر من ثلاثة أرباع ما يتداول على مواقع التواصل مضللا، الأمر بحاجة إلى تعامل وليس مجرد منع أو حظر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة