عادل السنهورى

فيلم "الممر".. عودة الوعى للسينما المصرية

السبت، 15 يونيو 2019 08:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالأمس كنت على موعد مع مشاهدة فيلم "الممر" الذى أثار إعجاب العديد من الأصدقاء الإعلاميين وبعض رموز المجتمع الذين أشادوا به ونصحوا بمشاهدته بصحبة الأبناء من الأطفال أو الشباب.. وبالفعل اصطحبت معى ابنى يوسف الذى أوشك على الانتهاء من المرحلة الجامعية فى العام المقبل.
 
ما أثار انتباهى أن قاعة السينما امتلأت عن آخرها بعدد كبير من المتفرجين الغالبية منهم من الشباب والأطفال مع أسرهم فى ظاهرة اندثرت وغابت عن قاعات السينما منذ فترات طويلة.. ولفت انتباهى أيضا أن هناك تفاعلا مع الفيلم وأحداثه رغم أنه فيلم من النوع الثقيل سينمائيا، فهو ليس بفيلم عاطفى أو كوميدى وإنما هو فيلم حربى صرف وإن كان لم يخلُ من مشاهد كوميدية كان بطلها النجم أحمد عز مع النجم محمود حجازى، لكن رأيى أنها جاءت للتخفيف من الجرعة العسكرية الخالصة فى الفيلم، وقصة الصراع الذى لن ينتهى مع العدو الصهيونى وصور عبد الناصر وحوارات النكسة.
 
الملاحظة أن ظاهرة التصفيق تعود من جديد للسينما بما يعنى أن التفاعل مع الفيلم والإعجاب به عبرت عنها الأكف ولحظات الانفعال الشديد أثناء لقطات القتال الشرس بين أبطال مجموعة الصاعقة المصرية والقوات الصهيونية.
 
أستطيع أن اقول بعد مشاهدة الفيلم الذى خرجت منه بشحنة معنوية عالية وتساؤلات عن ابنى عن حقيقة ما حدث بيننا وبين إسرائيل، وأهم البطولات والمعارك التى دارت فى تلك الفترة بهذه الشراسة والبطولة وروح الفداء.. وكيف ضحت أجيال كاملة بالروح والدم حتى تحررت الأرض، أستطيع أن أقول إن نظرية "الجمهور عاوز كدة" أسطورة زائفة انهارت منذ اللحظة الأولى لعرض فيلم الممر.. وأن تقديم مثل هذه النوعية من الأفلام التى تحترم عقلية المشاهد وتقدم سينما حقيقية تتوفر لها عناصر النجاح تستطيع وبجدارة أن تحتل الصدارة وتجذب ملايين المشاهدين لتحقيق الرسائل من وراء الفيلم. وأهم هذه الرسائل هى عودة الوعى مرة أخرى للعقل المصرى وتذكيره ببطولات وتضحيات أبنائه فى معارك الشرف والمجد. وأن الشباب الذى مهد وقاد حرب التحرير من بعد نكسة 5 يونيو 67 لا يقل عنه وطنية وحماس شباب الجيل الحالى إذا أحسن تربيته وإعداده وتوعيته وتثقيفه. فهؤلاء الشباب ضحوا بأرواحهم رغم شظف العيش والظروف الصعبة التى عاشتها مصر من بعد النكسة.
 
الجمهور بالفعل عاوز هذه النوعية من الأفلام لإيقاظ الشعور الوطنى وليست أفلام العشوائيات والعرى والتفاهة التى ساهمت فى تغييب الوعى وخلق سلوكيات شاذة وغريبة عن المجتمع المصرى.. وهنا نطالب بتدخل الدولة فى الإنتاج السينمائى.. ففيلم الممر لم يكتب له النجاح إلا بوجود إمكانيات القوات المسلحة وتوفيرها كل وسائل النجاح له وهنا يجب توجيه الشكر والتقدير لإدارة الشئون المعنوية تحت قيادة اللواء أحمد قتحى خليفة.
 
لأول مرة نشاهد فيلم عن بطولة حربية مصرية لمعركة دارت رحاها بعد النكسة مباشرة بعيدا عن المشاهد التقليدية المحفوظة لأفلام الحرب إياها وأبطالها مع احترامنا وتقديرنا الكامل لأبطالها فى تلك الفترة.. لكن نحن أمام فيلم يركز على عملية ومعركة واحدة من بين مئات المعارك البطولية التى خاضها أبطال القوات المسلحة عقب النكسة مباشرة وحتى حرب التحرير المجيدة فى أكتوبر 73.
 
فالفيلم يعيد الاعتبار أيضا لواحدة من أهم واشرف وأمجد الحروب فى تاريخ مصر العسكرى وهى حرب الاستنزاف.. من خلال عملية نوعية تم تكليف مجموعة من أبطال الصاعقة المصرية بتنفيذها لتدمير أقوى دشمة أو نثطة حصينة للعدو الاسرائيلى فى سيناء بما يعنى –فى رسالة مهمة أيضا- أن مصر وجيشها لم يستسلم للهزيمة وبدأ بعدها بأسابيع قليلة فى خوض حرب الاستنزاف ومواجهة العدو فقد خسرنا معركة ولم نخسر حربا، كما قال الرائد نور- أحمد عز- قائد المجموعة لابنه فى أحد مشاهد الفيلم أن "الماتش لم ينتهى لمجرد تسجيل هدف فى مرمانا".. وبالفعل دارت معارك طاحنة كبدت فيها القوات المصرية إسرائيل خسائر فادحة من رأس العش وإيلات وإسقاط الفانتوم التى أبكت جولدا مائير رئيسة الوراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت واستنجدت بحليفتها وربيبتها الولايات المتحدة الأمريكية.. وهى الحرب التى جميع قادتنا بأنها كانت خير استعداد لمعركة العبور والتحرير.
 
الفيلم أيضا يظهر مشاهد الانسحاب والهزيمة على خلفية موسيقى عبقرية للموسيقار عمر خيرت والحمد لله انه لم يستعن بالموسيقى والأغانى التقليدية التى تصاحب النكسة والانسحاب.. لكن فى الوقت ذاته يوضح حجم الرفض من صغار القادة للهزيمة وللانسحاب والرغبة فى المواجهة وتحميل المسئولية للقيادة السياسية والعسكرية وللعشوائية والفوضى وانعدام التدريب والكفاءة.
 
الفيلم لم يحترم فقط عقلية المشاهد فى تقديم جرعة سينمائية مكتملة واظهار بطولة وشجاعة الجندى والضابط المصرى وانما أعجبنى أيضا الموضوعية الشديدة فى اظهار شخصية القادة الصهاينة وخاصة شخصية القائد العسكرى الإسرائيلى – إياد نصار - وهى حقائق يجب أن يعرفها المشاهد بأننا واجههنا عدو ليس سهلا بل يتمتع بالتدريب العالى والذكاء والمهارة والخداع أيضا. وهنا لا بد من توجيه الإشادة بالأداء الراقى المتميز والمبهر للفنان إياد نصار الذى قام بدور القائد العسكرى الإسرائيلى الدموى.
 
الشخصيات فى الفيلم تمت كتابتها بعناية ودقة فائقة وركزت على التنوع الثقافى والاجتماعى للمجتمع المصرى من النوبة والصعيد إلى سيناء، ومر سريعا على مشاكل هذه المناطق وقضاياها والتهميش الذى كانت تعانى منه ومع ذلك فالكل واحد فى المعركة والكل منصهر فى بوتقة واحدة هى بوتقة التضحية والدفاع عن الأرض والعرض والشرف.. ولا يفوتنى هنا الإشادة أيضا بالفنان محمد جمعة الذى أدى دور البدوى السيناوى وأظهر الحقيقة الجلية للدور الوطنى لأبناء سيناء الشرفاء فى المعركة مع شقيقته الفنانة المتميزة أسماء أبو اليزيد، وأيضا الفنان محمد فراج الذى تفوق على نفسه فى دور الجندى الصعيدى، والفنان أمير صلاح الدين فى دور الجندى النوبى فى مجموعة القتال.
 
يبقى أن أقول إن الكمال لله وحده، فالفيلم رغم جودته السينمائية إلا أنه لم يخلُ من بعض الأمور البسيطة ومنها الكوميديا الزائدة عن الحد أحيانا من الفنان الجميل أحمد رزق، ومع ذلك أضحكت الجمهور وخففت من شدة الأعصاب والانفعال طوال الفيلم.. كما أن هناك مشاهد قليلة تغلب عليها سمة "الشعاراتية" وإن كنت أرى أنها فى مثل هذه الظروف تبدو ضرورية لمخاطبة عقول الشباب الذى تعرض لهجمات شرسة من السطحية والتفاهة وتغييب الوعى.
 
أيا كانت الملاحظات فالفيلم فى مجمله يحصل على درجة الامتياز السينمائى مراعاه مع الأزمة التى تعيشها السينما المصرية وأحسن إخراجه المبدع شريف عرفة الذى يثبت أن لدينا مخرجين كبار يمكنهم تقديم أفلام عالمية فى حالة توفر الإمكانات وقد توفرت فجاءت المشاهد العسكرية وإدارة المعارك على أعلى مستوى كما جاءت مشاهد التفجيرات مقنعة لأقصى درجة.. والكتابة أيضا للمؤلف أمير طعيمة وتوظيفه للشخصيات ورسمها وعمقها الدرامى جاءت على أعلى مستوى.
 
أما الفنان أحمد عز – الرائد نور قائد مجموعة الصاعقة المنفذة للعملية - فقد تفوق على نفسه فى هذا الفيلم وأظهر قدرات كامنة لديه كممثل يستحق بها أن يكون فى مقدمة كبار الممثلين فى مصر. أما أحمد صلاح حسنى فقد أدى دوره كضابط للصاعقة البحرية على أفضل ما يكون وكتب شهادة جديدة لمولد نجم سينمائى كبير. وأيضا محمد فراج ومحمود حجازى ومحمود حافظ والإعلامى المعروف عمر زهران وإنعام سالوسة ونديم هاشم وألحان المهدى.
 
أما الكبار ضيوف شرف الفيلم وهم الفنانة القديرة أنعام سالوسة والقدير شريف منير، والرائعة هند صبرى فقد أضافوا بحضورهم المتميز فى الفيلم قيمة فنية وإنسانية كبيرة.
 
فى النهاية يجب توجيه التحية لصناع الفيلم وأبطاله الذين أكدوا بهذا المنتج السينمائى الراقى أنه يمكننا أن نوقظ الوعى المفقود عن عمد للعقل المصرى وعودة الوعى أيضا للسينما المصرية بوجود الدولة، فكما قال نابليون قديما" اعطنى صحيفة أصنع لك شعبا" ويمكن أن نستعير المقولة "اعطنى سينما أصنع لك شعبا بل شعوبا متيقظة وواعية".
 
فاذا كان الفيلم قد أحدث كل هذا التأثير فى أيام قليلة فما بالنا لو أنتجنا أفلاما عن معاركنا البطولية – وما أكثرها وهى بالمئات - منذ حرب الاستنزاف وحتى أيام حرب أكتوبر.. تخيلوا حجم التأثير والشحن المعنوى فى جيل الشباب الحالى وفى الكبار أيضا.
 
ننتظر الكثير من هذه النوعية من الأفلام لتوثيق البطولات المصرية والتضحيات التى يقدما أبناؤنا – وما زالوا- سواء فى حربهم ضد الاحتلال الصهيونى أو ضد الإرهاب.
 
وأتمنى لو أن فيلم "الممر" يعرض بعد ذلك بالمجان فى مراكز الشباب المنتشرة فى أنحاء الجمهورية، فالغرض من هذا الفيلم ليس الربح والتجارة فقط وإنما هو رسالة وطنية خالصة.
 
ولا يتبقى سوى توجيه تحية إعزاز وتقدير لقواتنا المسلحة ولإدارة الشئون المعنوية على هذا العمل الوطنى الرائع.. وننتظر المزيد.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة