يقول العالم الأثرى والمؤرخ الفذ وأشهر علماء الآثار المصرية، الأمريكى «جيمس هنرى برستد»: «لا توجد قوة أثرت فى حياة الإنسان القديم، مثل قوة الدين، لأن تأثيرها يشاهد واضحا فى كل نواحى نشاطه، ولم يكن أثر هذه القوة فى أقدم مراحلها الأولى إلا محاولة بسيطة ساذجة يتعرف بها الإنسان على ما حوله فى العالم، ويخضعه بما فيه من الآلهة لسيطرته، فصار وازع الدين هو المسيطر الأول عليه فى كل حين، فما يولده الدين من مخاوف هى شغله الشاغل، وما يوحى به من آمال هى ناصحه الدائم، وما أوجده من أعياد هى تقويمه السنوى، وشعائره برمتها، هى المريبة والدافعة له فى تنميته الفنون والآداب والعلوم».
يقول أيضا: «على أن الدين لم يمس حياته فى جميع نواحيها فحسب، بل الواقع أن الحياة والفكر والدين امتزجت عنده بعضها ببعض امتزاجا لا انفصام له، تتكون منه كتلة واحدة يتداخل بعضها فى بعض، مؤلفة من المؤثرات الخارجية والقوى الإنسانية الباطنة».
كان المصرى القديم، متدينا، وموحدا لله، وهناك شواهد عديدة تؤكد اعتقاده، حينذاك، وإدراكه بعمق بوجود إله، خالق هذا الكون، ومن ثم توصل للبعث والحياة الأخرى، وهناك وثائق عديدة، تضم نصوص محاكمة العباد فى الحياة الأخرى، وأن الإله سيهب الحياة للطيبين، ويقدر الموت للأشرار.
وتبلورت فكرة البعث والحياة الأخرى بوضوح شديد عند المصريين القدماء «الفراعنة» فيما قبل 3000 قبل الميلاد، وتوصل لوجود محاكمة فى العالم الآخر، أساسها العدل الشديد، ويقف أمامها جميع الناس، فى محاولة لتبرئة نفسه من الآثام والخطايا، ثم تبدت بشكل أوضح، وأكثر نضجا، فى عهد الدولة الحديثة، وتحديدا عند 1600 قبل الميلاد، والتى أصبح تصور المحاكمة فى الحياة الأخرى، لا يقتصر على «حصر تفصيلى لكل المخالفات الخلقية».. وإنما صارت امتحانا خلقيا قاسيا، بل ومعيارا شاملا للقيم الأخلاقية، لحياة كل إنسان.
والاعتقاد بوجود حصر دقيق عن مجمل أعمال الإنسان الأخلاقية فى الدنيا، عند المصريين قبل 5 آلاف عام كاملة، ثم الحساب أمام محاكمة عادلة، تتفق مع قول المولى عز وجل فى سورة الإسراء: «وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا».. صدق الله العظيم.
وفى الفترة التى تلت عام 1400 قبل الميلاد، تبلور التدين المصرى، ووصل إلى قمته، بظهور أول عقيدة للتوحيد عرفها الإنسان فى التاريخ، على أن وجود السيادة لإله واحد، عالمى.
وتعالوا نتفق بوضوح، على أن ما اعتمد عليه العلماء والباحثون فى الآثار والتاريخ المصرى، من معلومات، كانت عبارة عن وثائق مادية، محضة، مثل الأسلحة والآلات الحجرية، وتكشف جبانات عصر ما قبل التاريخ التى تحتوى على الآلاف من القبور العتيقة المنتشرة على حافة الصحراء، شيئا من المعتقدات الدينية، التى كان سكان وادى النيل يدينون بها فى الأيام الخالية التى يرجع عهدها إلى العصر الحجرى الأخير، والزمن الذى بين أقدم أمثال هذه المصادر التى هى من عصر ما قبل التاريخ إلى أحدثها، زمن يقدر بمئات الآلاف من السنين، وذلك على أقل تقدير ممكن..!!
ولا نكون مخطئين إذا قررنا هنا أن أقدم المصريين عهدا كانوا يعبدون آلهة ليست لهم صفات خلقية، كما كانت لهم طائفة من العادات لم تكن قد بلغت بعد مرحلة الأخلاق، فهم فى ذلك كالألوان الذين لايزالون يعيشون فى طور السذاجة الفطرية البحتة..!!
هذا السرد المبسط يؤكد أن المصرى القديم، كان مؤمنا موحدا، ويعلم أن هناك بعث وحياة أخرى، وحساب، ولذلك صور الحساب بالمحاكمة التفصيلية عن مجمل أفعاله الأخلاقية، ورغم ذلك وأهمية الدين كقوة أثرت تاثيرا جوهريا فى حياة المصريين منذ عصور ما قبل التاريخ، إلا أنه لم يسجل أو يشير، تصريحا أو ضمنيا، شيئا عن الرسل، أو الديانات السماوية..!!
وللحديث بقية إن شاء الله...!!
عدد الردود 0
بواسطة:
على مطوبص
برافو عليك
برافو عليك الكاتب الصحفى بنجراوى العجرفاوى