بقلم :محمد فودة
فعلها أحفاد الفراعنة ليلة أمس وأبهروا العالم كالعادة.. فلم يكن افتتاح بطولة كأس الأمم الافريقية أمس حفلاً عادياً بل تجاوز كل التصورات وتخطى كل الحدود، فجاء الحفل أسطورياً بمعنى الكلمة، حيث تحول استاد القاهرة الدولى وكأنه خارج حدود المكان والزمان، فما حدث داخل الاستاد يشبه إلى حد كبير حكايات ألف ليلة وليلة، فقد امتزجت فى هذا الحفل كافة عناصر التشويق والإمتاع والإبهار، لتتجمع وتنصهر جميعها فى بوتقة الإصرار والعزيمة والإرادة، لتصنع لنا فى النهاية تلك الحالة التى عاشها كل مواطن أفريقى وعربى وعالمى، خاصة أن انظار العالم كله قد اتجهت أمس نحو القاهرة لمتابعة هذا الحدث الكبير، الذى أرى أن مصر منحته "صك" التميز والتألق والجمال، فلم تشهد هذه البطولة من قبل وعلى مدى تاريخها الطويل افتتاحاً مبهراً على هذا النحو من الجمال والروعة الذى أهدته مصر للقارة السمراء على مرأى ومسمع من الجميع .
وفى تقديرى الشخصى أن هذا التميز والإبهار والروعة لم يأت من فراغ، وإنما هو نتيجة طبيعية وحتمية لتوافر عدة عناصر مهمة وفرتها الدولة، وفى مقدمتها على الإطلاق التنظيم المتقن والترتيبات التى تمت بشكل دقيق والأداء السريع من الفريق المسئول عن التنظيم، فلم تدع الجهة المنظمة أى شىء للصدفة فسارت الأمور بشكل دقيق وكأننا أمام خلية نحل تعمل فى هدوء شديد وبدقة متناهية .
كما أنه من بين العناصر التى كانت وراء هذا النجاح الكبير لافتتاح البطولة هو الإصرار على النجاح، فقد كان الجميع على قلب رجل واحد من حيث السعى نحو تحقيق النجاح، فقد شعرت وأنا اشاهد حفل الافتتاح بأن مصر كلها شاركت فى هذا الحدث، وكأن الجمهور قد تحول من مجرد مشاهد يجلس فى مقاعد المتفرجين إلى جزء رئيسى من تلك اللوحة شديدة الروعة التى ظهر عليها الاستاد، ليتحول هذا الجمهور بشكل تلقائى إلى نغمة جميلة فى لحن موسيقى شديد الروعة والإحساس، خاصة حينما تم استخدام الإضاءة على هذا النحو من الإبهار الذى جعل الاستاد يتحول الى "لؤلؤة" أو "ألماسة" تسر الناظرين وتخطف قلوب المشاهدين وتبعث فى النفس الشعور بالفخر على هذا الإنجاز التاريخى الذى فاق فى روعته وجماله احتفالات كأس العالم، وأيضاً احتفالات دورات الألعاب الأولمبية التى كنا ننظر إليها على أنها شىء ضخم وبعيد المنال، ولكن بالرغبة الصادقة فى التميز استطاع المواطن المصرى أن يصنع ما هو أفضل بكثير من تلك الاحتفالات التى أبهرتنا من قبل.
فقد جاءت اللوحات الفنية مكتملة العناصر من حيث الحركة والتكوين اللونى والتكامل بين الإضاءة، وبكل تلك المجاميع، وبالطبع وصل هذا الحفل إلى قمة الامتاع بهذه الأغنية التى شارك في تقديمها مطربنا العالمى حكيم، ومطرب نيجيريا، ومطربة كوت دى فوار.. فالكلمات فى منتهى الذكاء، واللحن حماسى ومبهج ويبعث فى النفس الشعور بالارتباط بالجذور.
ما شاهدناه فى حفل افتتاح بطولة كأس الأمم الافريقية يؤكد وبما لا يدع محالاً للشك أننا قادرون على صنع المعجزات، طالما نمتلك إرادة وعزيمة .. تلك الإرادة تؤهلنا بالفعل لأن نتبوأ المكانة التى تليق بدولة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ.. دولة صاحبة أعظم حضارات العالم.. دولة تمتلك ما هو أهم وأفضل بكثير مما تمتلكه دول العالم وهو "الشعب المخلص" لوطنه العاشق لجذوره.. الشعب الذى ينسى خلافاته ومشاكله الداخلية فى اللحظات التاريخية ليلتف حول هدف واحد وهو اسم مصر .
ولم تكن تكتمل فرحتنا بهذا الافتتاح المبهر بدون أن يقدم لنا منتخبنا الوطنى لكرة القدم هدية الفوز على زيمبابوى "واحد - صفر" فى مباراة حفل الافتتاح، فبهذا الفوز خرجت جميع الأسر المصرية وليست جماهير الكرة فقط إلى الشوارع والميادين، واكتظت شوارع مصر بالمواطنين الذين سهروا حتى الفجر وسط حالة من الفرحة والبهجة فى ظل رفع علم مصر فى يد الكبار والصغار، وأصوات السيارات تمتزج بأصوات الزعاريد والأغانى الوطنية التى تخرج من الميكروفونات التى وضعها الشباب فى سيارات الربع نقل، وكل ذلك وسط الهتافات العديدة باسم مصر.
لوحة جميلة رسمتها لنا كالعادة الساحرة المستديرة، فالفوز فى مثل مباراة أمس يمثل للشعب حالة خاصة جداً حيث تفجر بداخلنا وبتلقائية شديدة معانى جميلة نفتقدها للأسف الشديد، وسط زحمة الحياة ولكن ما إن نعيش أجواء الفوز حتى يتحول الشارع المصرى إلى ما يشبه المباراة من حيث الوطنية والإخلاص لتراب مصر، وتتفجر أيضاً بداخلنا ينابيع الحب وترتسم على الوجوه الفرحة وتعلو الضحكة النقية التى تخرج من القلب.
اللهم أكثر من أفراحنا.. وزد من مناسباتنا السارة واحفظ مصر من كل شر .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة