هل يشتعل فتيل الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أم لا؟، متى تدق طبول المعركة الأمريكية الإيرانية فى منطقة الخليج العربى؟، أسئلة باتت تتردد بشكل دائم فى جميع وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، وفى أذهان جميع المتابعين لهذا المشهد والتحركات من جانب الطرفين، تخوفًا من عواقب أحد أكثر الأزمات السياسية الدولية تعقيدًا فى الآونة الأخيرة، خاصة فى ظل تصاعد حدة لغة التصريحات المتبادلة بين واشنطن وطهران.
تصاعد مؤشرات الحرب الوشيكة فى منطقة الخليج العربى،وأصبحت واضحة للعيان، لكن هل النبرة العدائية فى التصريحات الإعلامية كافية لحسم اندلاع حرب بين أمريكا وإيران؟، بالطبع لا، فقرار الحرب تحكمه عدة عوامل لدى الطرفين، ورغم ما يبدو من رغبة كل طرف فى تدمير الأخر، ولكن هناك من الظروف الداخلية فى كل دولة مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إضافة إلى الأسعار العالمية للنفط والتخوف من التورط فى أزمات اقتصادية، ما يدير دفة الصراع أكثر من أى رغبات شخصية آخرى.
ومع وقوع حادث إسقاط الحرس الثورى الإيرانى طائرة أمريكية بدون طيار، وما سبقها من هجمات على ناقلات نفط فى الخليج، ارتفعت مؤشرات الخطر من اندلاع الحرب برد أمريكى قوى، ولكن كانت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بمثابة مفاجئة غير متوقعة للعالم كله، حينما أعلن أنه اتخذ قرار بتوجيه ضربات ضد إيران، فيما عدل عن قراره فى آخر لحظة، ليوضح أن السبب وراء ذلك إشارة التقارير إلى إمكانية مقتل 150 إيرانيًا جراء تلك العملية العسكرية، وهو المبرر الذى كان محل دهشة لكثير من المتابعين والمحللين.
أمريكا تلجأ للحصار الاقتصادى بدلًا من إطلاق البارود
ولكن بالتدقيق فى التفاصيل الكاملة للمشهد المتوتر، سنجد أن إدارة ترامب لديها بديلًا قويًا لردع إيران، وتوجيه ضربات موجعة لنظامها، وهو ما يتمثل فى الحصار الاقتصادى، فالاقتصاد هو العصا السحرية الأقوى من البارود التى يمكنها إخضاع حكومات والإطاحة بأنظمة، وبالفعل لوح الرئيس ترامب بهذه الورقة فى وجه طهران، كما أكد عليها من بعده مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون، خاصة وأن واشنطن تخنق الاقتصاد الإيرانى بمنع إيران من بيع النفط فى السوق الدولية.
وقال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، السبت، إن إيران لا يمكنها الحصول على سلاح نووى لكن اتفاق أوباما مهد لذلك، مشددًا على أنه سيوقع عقوبات مشددة جديدة على طهران سيعلنها غدًا الاثنين، مؤكدًا أن العقوبات المفروضة على إيران تؤتى ثمارها.
ومن جهته، قال المبعوث الأمريكى الخاص بإيران براين هوك، فى حوار خاص لـ"سكاى نيوز"، إن إيران تهدف للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تعمل على منعها من ذلك، من خلال فرض المزيد من العقوبات، والتى ستحرمها من نحو 50 مليار دولار.
وأوضح براين هوك، أن "سياسة البيت الأبيض تقضى بفرض المزيد من العقوبات لإحراز تقدم ضد النظام الإيرانى"، وتابع "إيران تقوم ببث العنف فى الشرق الأوسط، والضغط الأمريكى يهدف لحرمان النظام من الأموال التى يستخدمها فى تمويل ميليشياته، كما أننا نريد أن يأتى النظام الإيرانى إلى طاولة المفاوضات، للتوصل إلى اتفاق آخر، بدلا من ذلك الذى انسحبنا منه قبل سنة".
بدوره، قال مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون، اليوم، الأحد، إن إيران تشعر بآثار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها فيما يستعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لفرض المزيد منها.
وأضاف بولتون، "سعى إيران المستمر لصنع أسلحة نووية وتهديداتها بتجاوز القيود الواردة فى الاتفاق النووى الإيرانى الفاشل، ليست دلائل على دولة تسعى للسلام"، وتابع "العقوبات مؤلمة، وقد أضيف إليها المزيد الليلة الماضية، ولن يكون بإمكان إيران أبدا حيازة أسلحة نووية، لا ضد الولايات المتحدة ولا ضد العالم".
الإدارة الأمريكية تفضل فرض العقوبات على إيران من دخول حرب
والرئيس ترامب، وإدارته يبدوان أكثر قناعة أن العقوبات الاقتصادية القاسية، وغير المسبوقة التى فرضتها الولايات المتحدة على إيران ستجبرها فى النهاية على الجلوس إلى مائدة المفاوضات وفقا للشروط الأمريكية، فالاقتصاد الإيرانى الذى ينزف بشدة جراء هذه العقوبات سيدفع طهران - وفقا لكثير من المحللين الأمريكيين - إلى الاستجابة للمطالب الأمريكية فيما يتعلق بطموحاتها النووية، وهو ما يعنى فى هذه الحالة أن واشنطن حققت ما تريد دون أن تطلق رصاصة واحدة ودون أن تخوض حربا عسكرية لا يمكن معرفة تداعياتها على مصالح أمريكا وحلفائها فى المنطقة.
فالعقوبات الأمريكية ولاسيما تلك التى تشمل حظرا شبه كامل على صادرات النفط الإيرانية، تحرم إيران من نصف إيراداتها من النفط الذى تشكل العمود الفقرى للاقتصاد الإيرانى، حيث تبلغ نحو 40% من الميزانية العامة للدولة.
وفى حال نجاح استراتيجية ترامب الحالية تجاه إيران وأجبرت العقوبات الاقتصادية التى أعلنت واشنطن عن فرض المزيد منها على طهران، فإن الحكومة الإيرانية سيكون عليها الاستجابة للمطالب الأمريكية فيما يخص برنامجها النووى أو طموحاتها الإقليمية وتدخلاتها فى دول الجوار، وذلك سيشكل إنجازا سياسيا كبيرا لترامب الذى سيقدمه للرأى العام الأمريكى كانتصار أمريكى، ولكن بدون أى كلفة عسكرية تذكر وهو ما سيعزز فى حال تحقيقه فرصة فى الفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
فاتورة الحرب وصادرات النفط لا ترجح كفة الحرب
وليس الحصار الاقتصادى وحده المتحكم فى دفة إدارة الصراع بين واشنطن وطهران، بل هناك عامل آخر يتمثل فى تخوف قادة البلدين من فاتورة الحرب والرفض الشعبى لها، فلا يخفى على أحد كره الشعوب للتضحية بأبنائهم فى المعارك، هذا إضافة إلى التخوف من التأثر الكبير الذى قد تتعرض له أسواق النفط العالمية جراء هذه الحرب غير المرغوب فيها عالميًا، ما ينعكس بشكل مباشر على الأسعار بشكل عام فى كافة دول العالم، وكذا تبعات إغلاق مضيق هرمز – الذى تهدد به طهران دائمًا – وما ينتج عنه من توقف صادرات النفط الخليجى إلى أمريكا وأوروبا.
ويتضح فى تصريحات رئيسا البلدين حرصهما على تهدئة الأوضاع واستعدادهما لخوض مفاوضات، رغم ما يحملانه من بعض التهديد والوعيد والتلويح بعصا الحرب، وقد ظهر ذلك فى تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد تارمب، الذى سبق وقال إنه ليس لديه أية شروط مسبقة لإجراء مفاوضات مع إيران، وتابع "ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية سيكون جزءًا من أى اتفاق مستقبلى مع طهران".
كما، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مساء الجمعة، إنه لا يريد حربا مع إيران، لكن إذا حدث ذلك فسيكون هناك دمارا لم تره من قبل يتسبب فى محوها، وأضاف الرئيس فى مقابلة حصرية مع شبكة "إن بى سى"، "لكننى لا أتطلع إلى القيام بذلك"، قائلا إنه لا توجد شروط مسبقة للمحادثات الأمريكية مع طهران.
وفى المقابل، قال مستشار للرئيس الإيرانى حسن روحانى، الجمعة، إنه إذا كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا يريد حربا مع طهران، فعليه أن يخفف العقوبات، وذلك بعد تصاعد التوتر بين البلدين فى أعقاب إسقاط إيران لطائرة مسيرة أمريكية.
كما، أعلن مساعد وزير الخارجية الإيرانىن عباس عراقجى، فى شهر مايو الماضى، أن طهران مستعدة للحوار البناء والتعاون مع دول الخليج عبر آليات إقليمية، ومن جهته قال رئيس لجنة الأمن القومى فى البرلمان الإيرانى حشمت الله فلاحت بيشه لآرتى، إن طهران أبلغت واشنطن عبر وسطاء بأن أى طرف لن يخرج منتصرا من الحرب.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية تربك حسابات ترامب
وهناك مؤشر هام آخر، يفرض نفسه على قرار الحرب فى الدولتين، ألا وهو الحسابات الانتخابية التى تبدو حاضرة بقوة فى إدارة ترامب للأزمة مع إيران، ولعل ذلك ما يفسر حالة الحذر والتردد، بل وما يعتبره بعض المراقبين ارتباكا فى الموقف الأمريكى من إيران خصوصًا بعد إسقاط الأخيرة لطائرة استطلاع أمريكية مسيّرة فوق مياه الخليج، وذلك وفقًا لتقرير وكالة "الشرق الأوسط" للأنباء.
ويقول التقرير، إن ترامب، الذى أطلق رسميا قبل أيام، حملة إعادة انتخابه رئيسا لفترة رئاسية ثانية فى انتخابات 2020، يدرك جيدًا أن أى تداعيات غير محسوبة للأزمة الراهنة على المصالح الحيوية الأمريكية فى منطقة الخليج والشرق الأوسط قد تكلفه فرصة الفوز فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ومن ثم تضع حدًا لأحلامه بالبقاء فى البيت الأبيض لمدة 4 سنوات أخرى.
ومما يزيد من حدة الضغوط السياسية الداخلية عليه، فى هذا الصدد، أن الديمقراطيين الذين يستعدون لاختيار مرشح لمنافسة ترامب فى الانتخابات المقبلة وجدوا فى الأزمة الحالية مع إيران فرصة للهجوم عليه والتشكيك فى قدرته حماية المصالح الأمريكية بهدف التأثير على فرصه فى الانتخابات الرئاسية، حيث وصف جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكى السابق أوباما، إدارة ترامب للأزمة بأنها " كارثية".
وقال بايدن - وهو أحد المرشحين البارزين المحتملين ضمن انتخابات الحزب الديمقراطى التمهيدية للسباق إلى البيت الأبيض - إن ترامب "أخفق" فى حماية "مصلحتين أمريكيتين حيويتين فى الشرق الأوسط، وهما منع إيران من الحصول على سلاح نووى، وضمان استقرار إمدادات الطاقة عبر مضيق هرمز.
ولعل ذلك كله ما يفسر رد الفعل المتردد من جانب ترامب وإدارته تجاه كيفية التعامل مع قيام إيران بإسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية فوق بحر عٌمان، وهى واحدة من أكثر طائرات الاستطلاع المسيّرة تقدما فى العالم، حيث تملك منها الولايات المتحدة 4 طائرات فقط.
وبحسب العديد من المراقبين، فإن أحد الأسباب الحقيقية التى ربما دفعت واشنطن للعدول عن شن ضربات عسكرية ضد إيران، هى الحسابات الانتخابية للرئيس ترامب، والذى ربما خشى من رد فعل إيران وحلفائها فى المنطقة على هذه الضربات بشكل يلحق الضرر بالمصالح الأمريكية، ومن ثم تكون له كلفته السياسية الكبيرة على ترامب فى الداخل بينما هو يستعد للانتخابات.
وهذا التخوف من جانب ترامب ليس من فراغ، فقد شكلت إيران عقدة لبعض الرؤساء الأمريكيين، فالرئيس الديمقراطى الأسبق جيمى كارتر، فقد فرصة الفوز بفترة رئاسية ثانية بسبب التداعيات السلبية لحادث اقتحام السفارة الأمريكية فى طهران قبل المتظاهرين الإيرانيين إبان الثورة الإيرانية 1979، حيث احتجز الطلبة الإيرانيون نحو 52 رهينة أمريكية من موظفى السفارة ودبلوماسيين أمريكيين لمدة 444 يومًا، وبعد فشل محاولات إدارة كارتر للتفاوض مع الإيرانيين لإطلاق سراح الرهائن، اضطرت للقيام بعملية عسكرية لإنقاذهم فى إبريل 1980، لكن العملية باءت بالفشل وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل 8 جنود أمريكيين، وهو ما كان أحد أسباب هزيمة كارتر فى الانتخابات الرئاسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة