فى مرحلة التعليم الأساسى فى الابتدائية والإعدادية طوال فترة السبعينات لم يكن يشغلنا طوال الوقت سواء داخل الفصل بالمدرسة أو فى البيت سوى الانهماك فى رسم خريطة الوطن العربى أو نقلها عبر الورق الشفاف.. ثم حفظ أسماء الدول العربية وعواصمها والتنافس مع الأقران فى تلك الأيام على من يذكر أسماء الـ22 دولة ثم إجراء منافسة أخرى حول أسماء العواصم.
هذا الجيل الذى أنتمى إليه كان يحفظ عن ظهر قلب- ومازال- أسماء الدول العربية وعواصمها وأهم مدنها ورؤسائها ومنتجاتها استعدادا لأى اختبار مفاجئ داخل الفصل من مدرس الجغرافيا، ومازلت أتذكر اسمه حتى الآن وهو الأستاذ رزق الله سعد، أطال الله فى عمره إذا كان حيا يرزق أو قدس الله روحه إذا كان غادرنا إلى الحياة الأخرى، وتحول ذلك إلى ثقافة عامة من كثرة الحفظ والتكرار فى المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية.
ربما كان نسق التعليم الحكومي وقتها فى كل مدارس مصر من أسوان إلى مرسى مطروح " شبه واحد"، فما أتعلمه فى بحرى هو نفسه فى الصعيد وسيناء والوادى الجديد..التعليم واحد والوعى مشترك حتى الزى المدرسى فى زمان مريلة "تيل نادية" لا فرق بين أبناء الشعب الواحد ومن يشذ عن القواعد والسلوكيات ينال عقابه حتى لو كانت ابنة أو ابن الناظر..!
و كل أبناء جيل السبعينات مازال محفورا فى ذاكرته المعلومات التاريخية والجغرافية والعلمية والأدبية أيضا التى تحصل عليها فى المرحلة الابتدائية والإعدادية وهذا الجيل مازال يتذكر أسماء الناظر أو مدير المدرسة والمدرسين وذكرياته معهم رغم فعل الزمن ونحر السنين للذاكرة..!
ما حدث بعد ذلك ومع سنوات الانفتاح "السداح مداح"- كما وصفه الكاتب الراحل الأستاذ أحمد بهاء الدين- فوجئنا بظاهرة المدارس الخاصة ثم المدارس الأجنبية وتعددت أشكال وأنواع التعليم فى مصر من بين خاص وعام وبريطاني وأميركى وكندى وياباني وروسى واختفت معها دروس الجغرافيا والتاريخ والمعلومات العامة.. المهم الدفع مقابل الحصول على اسم المدرسة الأجنبية للتباهى بها فى المجتمع الذى لم يعد "شبه واحد"..!
التباهى بعدم المعرفة والقراءة والمتابعة و"الجهل" أصبح سمة عامة لدى غالبية تلاميذ وطلاب تلك المدارس وهؤلاء هم الذين انتقلوا بعد ذلك لتولى المناصب المؤثرة بما فيها الإعلام وأصبحت مهنة "ممارسة الجهل العلنى" على شاشات التليفزيون فى زمن الفضائيات أمرا طبيعيا وعادى جدا.
دعونا لا نطيل فى لوم "الجنرال" مدحت شلبى، رغم أنه يسبقنا فى العمر، فليس ذنبه مع تكرار أخطائه على الهواء مباشرة منذ ظهوره فى منتصف الثمانينات أن يجهل أن موريتانيا دولة عربية ولغتها الموريتانية هى اللغة العربي..! فليس هناك من يراقب أو يراجع أو يعاقب.
وليس شلبى أو "شلبوكة" وحده فى هذه الأخطاء والسبب سيطرة غير الإعلاميين المؤهلين والمدربين على الإعلام وخاصة الإعلام الرياضى.. ووفقا للقول العربى المأثور "من أمن العقوبة أساء الأدب" ومارس جهله أيضا طالما أن المناخ الإعلامى السائد يشجع على ذلك. والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا.
ما حدث من جهل بعروبة دولة مثل موريتانيا هو جرس إنذار حقيقى من السادة المسئولين عن الإعلام فى مصر للعودة مرة أخرى إلى خريطة الوطن العربى ودروس التاريخ والجغرافيا والأدب ودورات التدريب والتأهيل الحقيقى فى التليفزيون والفضائيات.. آسفين يا موريتانيا.