تصلح قصة شاب الإسكندرية «المنقذ الوهمى»، نموذجًا لما يجرى على ساحات التواصل الاجتماعى يوميًا. حيث تدفع الرغبة فى الشهرة وركوب التريند البعض لفعل أى شىء، حتى لو كان تأليف قصة «وتحبيشها» بالخيال لتسجيل بطولة.
الشاب نشر على صفحته صورًا وفيديو، قال إنه سجلهما من سيارته، لولدين على «موتوسيكل» بينهما فتاة فى حالة إعياء، وقال إن الشك تسرب إلى قلبه، بأن الفتاة تحت تأثير مخدر. ثم ابتكر سيناريو «عنتريا» وقال إنه طارد الشابين بسيارته، ومناورات، حتى نجح فى إيقافهما، وسلمهما لأمين شرطة. وواصل الشاب قصته الشيقة، وأضاف الكثير من المشهيات عليه وقال إن الشرطة اكتشفت بالفعل أن الفتاة مخطوفة ومخدرة.
طبعًا تلقى «المنقذ الشهم» الكثير من التحيات و«اللايكات» وتم «تشيير» قصته على الصفحات والمواقع ليتحول خلال ساعات إلى «المنقذ البطل». وإمعانًا فى «الأكشن» ظهرت صورة لفتاة من الشرقية، على أنها المخطوفة مع الكثير من التصعب، وزخات أخرى من «الشير واللايك» وتحيات للشاب الشهم محرر المخطوفات. وبدأت بعض البرامج والصفحات اليوتيوبية فى البحث عن «محرر المخطوفات الشاب»، لإجراء لقاءات معه، عن كيف استطاع التصدى للعصابة وإنقاذ الفتاة من بين أنيابهم.
يومان وظهر الشابان المتهمان بالخطف، ليكشفا الحقيقة التى تختلف بشكل كلى وجذرى عن ما رواه «فشار المخطوفات»، قال الشابان إن الفتاة بينهما على المتوسيكل هى شقيقتهما، وهى ذات احتياجات خاصة، وإن ما رواه المنقذ الافتراضى كله عملية «فشر» وأبلغ الشابان عن المنقذ واتهماه بالتشهير والكذب والافتراء. تم القبض على الشاب والتحقيق معه بتهمة التشهير، وراح للنيابة قبل أن يخلى سبيله بكفالة.
اللافت للنظر أن من أعادوا النشر والتشيير للقصة الأولى، ومنحوه ألقابًا وأسماءً ولايكات، هم أنفسهم الذين تحولوا إلى «المفتش كرومبو»، وصبوا عليه اللعنات واتهموه بالفشر والنصب والادعاء وطلب الشهرة. ولم يراجع أى منهم نفسه أنه اشترك فى الشهرة التى حصل عليها، وأنهم يعيدون نشر أخبار وقصص وصور من دون التأكد من صحتها، أى أنهم ساهموا مباشرة فى صناعة «الهيصة الأولى».
قصة المنقذ الوهمى، نموذج لعشرات النماذج تضخ يوميًا وعلى مدار الساعة فى بحور الإنترنت وفيس بوك، يوميًا عشرات الصور لمصابين أو أطفال تائهين يشيرها البعض كنوع من العمل الخيرى، ويظهر أنها صور من سنوات أو شهور. ومع افتراض حسن النية فإن من ينشرون أو يعيدون نشر القصص الإنسانية نيتهم سليمة وهدفهم صنع الخير، لكنهم يساهمون فى نشر تضخيم المدعين ومساعدة النصابين وهواة الشهرة.
طبعًا الأمر لا يحتمل التعميم، وهناك حملات تبرع أو توعية أو عمليات نشر تفيد وتنجح فى إنقاذ ضحايا ومساعدة مرضى، أو مواجهة مشكلة، ومقابلها عشرات الحالات التى تدخل ضمن «الهيصة والمبالغة» و«الأفورة». بل أن المحترفين فى النصب «أون لاين» يوظفون المشاعر الطيبة للجمهور فى تنفيذ أغراضهم.
وقد وقع عدد لا بأس به من رواد عالم التواصل ضحايا لنصابين ومدعين ينصبون بمرضهم، أو بوفاة بعض أقاربهم أو ينشرون حملات لجمع أموال بدعوى الخير يتضح أنهم مجرد نصابين. والتعميم ليس مستحبًا لكن تكرار عمليات النصب والادعاء تحتم على المستخدمين وهم يبحثون عن بوست يعيدون نشره أن يمارسوا التحليل والشك ولو بنسبة حتى لا يصبحوا من دون وعى شركاء فى صناعة الهجاصين والنصابين، بـ«الشير واللايك والنية الحسنة».