من المفزعات فى هذه الحياة أن نصحو يوما فلا نجد الخيال، يختفى من حياتنا، يخلو من الروايات، وينضب من الشعر، ويتسرب من الحكايات ومن قصص الحب، كيف سيكون العالم وقتها، حتما سوف ينتهي.. لذا أقول لك "انتبه الخيال يتراجع".
وذلك ليس كلامى لكن الذائقة العامة تتجه لذلك، فقد أكد الكتاب السنوى لجمعية الناشرين البريطانية، مؤخرا، حسبما نشرت صحيفة الجارديان، أن مبيعات كتب الخيال تراجعت فى الأشكال المادية العام الماضى، بانخفاض 7٪ بقيمة 359 مليون جنيه إسترلينى، ووصل الانخفاض إلى 4٪ فى مبيعات الخيال الرقمية، أى ما قيمته 229 مليون جنيه إسترلينى، مع انخفاض مبيعات الخيال العام بنسبة 3٪ فى عام 2018 أى نحو 588 مليون جنيه إسترلينى.
ويشير التقرير إلى أنه على النقيض من ذلك، ارتفعت مبيعات الكتب غير الخيالية بنسبة 1٪، إلى 954 مليون جنيه إسترلينى، مع ارتفاع الإيرادات الرقمية بنسبة 10٪ للمبيعات المادية المتبقية.
وبحسب التقرير لاحظت جمعية الناشرين أداء "متميزًا" للكتب غير الخيالية، قالت إنه نما بنسبة تقارب 30٪ فى السنوات الخمس الماضية، وكذلك النمو "الهائل" للكتاب المسموع، بزيادة 43٪ بين عامى 2017 و2018.
ورأيى أن هذه الأرقام والمؤشرات ليست بسيطة، لكنها محملة بدلالات أن المتلقين صاروا يخشون الواقع بصورة كبيرة، لذا يريدون أن يعرفونه جيدا، كما أنهم لا يصدقون الخيال، وهنا هى المشكلة الكبرى، لأن الخيال ليس مجرد حكايات خرافية أو مواد للتسلية، لكنه طرق لحل المشكلات، هو ما نطلق عليه فى حياتنا العادية التفكير خارج الصندوق، لأن الصندوق سوف يحبسنا فى داخله، وسنظل ندور فى حلقات مفرغة.
فى ظنى إن الخيال وانتشاره لا يرتبط بالرفاهية لكنه يرتبط بالاستقرار النفسى، ربما هناك تفسيرات لكبار المحللين والمفكرين يرون أن الخيال نوع من "الهروب من الواقع" أو "معارضته" لكننى لا أجد ذلك ضروريا، بل أرى أن الخيال طريقة خاصة "جماليا" فى بناء الواقع، لذا أتمنى ألا يتراجع وأن يعود الأكثر انتشارا.