من له حق التصرف فى ممتلكات الرؤساء والزعماء؟ ومن له حق بيعها لجهات أو شركات خاصة؟ أليست الدولة هى المسئولة عن التصرف فيها عقب التخلى عنها سواء بالوفاة أو ترك المنصب؟ أين مجلس النواب وأين الجهات المعنية من هذه القضية؟
أطرح هذه الأسئلة بعد أن قرأت تحقيقا صحفيا مهما للزميل مصطفى الجمل بموقع "صوت الأمة" يتناول فيه قضية فى غاية الخطورة وهى قيام إحدى الشركات العقارية العربية الشهيرة بشراء فيلا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وفيلا المشير عبد الحكيم عامر فى منطقة الساحل الشمالى بمرسى مطروح، وبالتحديد فى العلمين وتحويلهما إلى قصور فاخرة بعد تطويرهما ضمن مشروعها السياحى بمنطقة الساحل وتأجيرهما لمن يريد بسعر خيالى لا تصدقه عقول البسطاء من أمثالى..فالفيلا التى كان ينزل بها الزعيم الراحل أحيانا وكانت تعتبر فى ذلك الوقت فى مكان بعيد جدا عن أماكن المصايف المعتادة تقوم الشركة حاليا بتأجيرها بمبلغ 9 آلاف دولار فى الليلة الواحدة(150 ألف جنيه تقريبا)، بما يعنى 270 ألف دولار شهريا، أم فيلا عبد الحكيم عامر فتؤجر بمبلغ 8 آلاف دولار لليلة الواحدة أى بحوالى 134 ألف جنيه أى فى الشهر 240 ألف دولار أى ما يقترب من 4 ملايين جنيه!
فمن باع؟؟ ومن له حق البيع.. وأين ذهبت هذه الأموال؟؟
القصة قد تعود إلى ما قبل 2010 ولم يكشف النقاب عنها سوى هذه الأيام ولا بد من فتح تحقيقا حول هذه القضية، لأنها أملاك الشعب التى لا يحق لأحد التصرف فيها إلا بشكل قانونى وتشريعى عبر مجلس النواب.
عملية بيع فيلا الزعيم ناصر والمشير عامر وربما أملاك أخرى تابعة للدولة، تعيد للأذهان القصة الشهيرة لمسألة استعادة كابينة الزعيم عبد الناصر فى المعمورة فى إطار حملة سداد ديون مصر عام 1986 وكان صاحب تفجير المسألة هو الأديب الراحل يوسف إدريس فى مقال شهير له بالأهرام.
وقصة هذه الكابينة التى كانت مصيف لأسرة عبد الناصر وهى من أملاك الدولة ولم تكن ملكا خاصا له أن مجلس الشعب وقتها وعقب وفاه الزعيم الراحل اصدر قانونا ببقاء منزل منشية البكرى، وكابينة المعمورة بالإسكندرية مدى الحياة لأسرة عبد الناصر.. ونترك المجال هنا لابن الزعيم الراحل الدكتور خالد عبد الناصر –رحمه الله فى حوار منشور له مع الصديق سعيد الشحات حول هذه القضية ليحكى:"من جانبنا كأبناء عبدالناصر تعاملنا مع الموضوع، على أن المنزل والكابينة للوالدة، على أساس أن كل واحد منا سوف يشق طريقه، ويكون له فى النهاية مسكنه الخاص.. ومن أهم الأشياء التى أثرت فينا كأسرة وأثلجت صدورنا، وأحيى فيها مصر شعبا وحكومة. أن أحدا لم يترك أمى بعد رحيل الأب فى حاجة إلى شيء.. كانت أمى من طراز السيدات اللاتى يعشن على القليل.. كانت راضية بالقليل. أحب ما عندها بيتها.. كانت تقول دائماً على منشية البكرى.. ده بيتى.. نعم هو بيت الحكومة.. لكن تعبيرها كان يحمل دلالة الارتباط بالبيت الذى عاشت فيه منذ البداية، وشاهدت فيه كل شيء.. كل شيء.. الزواج.. الأمومة.. السياسة.. النضال.. رؤساء دول العالم وزوجاتهم.. كل شيء.. تاريخ بالنسبة لها مليء بالأفراح والأحزان، والذكريات… أذكر أن شقيقتى (منى) كانت تلح عليها بالذهاب إليها فى لندن حيث تقيم، وكانت ترفض بإصرار غريب.. ومرة وحيدة نجحت فى إقناعها بالذهاب معها إلى إسبانيا، وبعد أربعة أيام بالضبط بكت وأصرت على العودة إلى مصر عامة، والبيت فى منشية البكرى خاصة.. كانت تقول دائماً.. الشعب كرمنى ولم يتركنى لأحد.. كان معاشها 500 جنيه ويصل طبقاً للقانون الذى صدر من مجلس الأمة إلى مخصصات رئاسة الجمهورية ليصل المبلغ إلى 950 جنيها..
كان المبلغ بالنسبة لها كافيا بالإضافة إلى البيت والكابينة.. رغم كل هذا.. وفجأة وبلا مقدمات خرج يوسف إدريس على صفحات الأهرام بمقالة يقول فيها أن أسرة عبد الناصر تعيش فى المعمورة فى 500 فدان.. ثمن المتر 2000 جنيه ولو تم بيع هذه الأرض فسوف يصل سعرها إلى 100 مليار جنيه.. وبالتالى يمكن سداد ديون مصر.. أخطأ يوسف إدريس أولا حين قال إن البيت مساحته 500 فدان وفى الحقيقة إن مساحته خمسة أفدنة وأخطأ فى حساباته حين قال إن ثمنها يصل إلى 100 مليار جنيه.. كانت الحسبة بالإضافة إلى خطأها أقرب إلى الكوميديا.. وكان الأفضل أو الأكرم له أن يقول.. (بلاش تصيف) هذه السيدة.. وكان من جانبها أن قالت: (يا جماعة إذا كانت الأرض دى هتسدد ديون مصر.. خذوها).
وأرسلت السيدة الجليلة أم خالد- رحمها الله- خطابا مؤثرا جدا إلى صحيفة الأهرام ردا على ذلك تعلن تنازلها عن الكابينة والأرض التابعة لها.. وقالت فى الخطاب: (كل ما أنتظره وأشتاق إليه هو اليوم الذى أقابل فيه ربى.. وأدفن إلى جوار جمال عبد الناصر الذى أعطى حياته كلها لمصر).. لهذا لم أسامح يوسف إدريس- يقول الدكتور خالد عبد الناصر.. وعادت الكابينة.. ولم تسدد ديون مصر.
اتخذت السيدة تحية قرار التنازل وبنفس راضية.. ورغم ذلك لم تفقد رأيها فى أن الشعب المصرى الذى أحب جمال عبدالناصر لم يتركها فى احتياج لأحد أبدا.
كانت هذه هى أصعب المواقف التى مرت بها تحية عبد الناصر بعد رحيل الزعيم، حين فاجأ الأديب الراحل الدكتور يوسف إدريس الناس بمقال غريب فى جريدة الأهرام يطالب فيه أسرة جمال عبد الناصر بترك استراحة الإسكندرية من أجل سداد ديون مصر، وتزامن ذلك مع حملة شعبية لسداد ديون مصر لا أحد يعرف الآن أين هى الأموال التى تم جمعها وقتئذ لهذا الغرض.
والسؤال القديم ايضا مازال مطروحا هل سددت مصر ديونها عام 86 من كابينة عبد الناصر فى المعمورة..! أما السؤال الجديد فسوف يظل مطروحا إلى حين الإجابة عنه.. من كان وراء بيع فيلا عبد الناصر وفيلا عبد الحكيم عامر بالعلمين إلى الشركة العقارية العربية.. وهل كان ذلك بعلم مجلس النواب..؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة