تقوم النظريات الاقتصادية الحديثة علي قاعدة أساسية منذ عشرات السنوات وهي " دعه يعمل.. دعه يمر"، وهي تعني ببساط أن نترك الاقتصاد يحرك نفسه في حرية من خلال إفساح المجال للقطاع الخاص للعمل بحرية، يطالب الكثيرون أن تكون مطلقة، حتي يتحول البلد بالكامل إلي مجتمع رأس مالي حتي يتحقق السوق الحر.
ورغم نجاح هذه النظريات في العديد من الدول، وحققت طفرات اقتصادية كبيرة، إلا أن هذا النجاح كان له تداعيات كبيرة علي الفئات الضعيفة التي لا تستطيع إنشاء عمل خاص بهم، كما أن التحول إلى السوق الحر، يعنى فى أحد معانيه أن يباع كل شيء بسعره الحقيقي، بمعني عدم قيام الدولة بدعم أي منتج أو خدمة من الخدمات التي تقدمها للمواطنين، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، بعدما ازداد الغني غني وازداد الفقير فقرا.
كل ذلك جعل الكثيرين يطالبون بما يشبه السوق الحر المدار أو المراقب حتي يتم الحد من تغول النظام الرأس مالي الحاد غير المنضبط الذي يصل إلي أن يكون غير أخلاقي.
والحقيقة أن فشل الحكومات المتعاقبة في تنفيذ فلسفة السوق الحر، وهي فتح المجال لكل من يريد العمل بجدية أن يعمل ويوظف الشباب بعيدا عن بيروقراطية الموظفين الحكوميين، هذا الفشل هو ما خلق الاعتراض علي السوق الحر، رغم منطقية الاعتراض نتيجة التداعيات السابقة علي المجتمع.
وليس فشل الحكومات في تطبيق الاقتصاد الحر فقط هو السبب في حالة الغضب هذه، لكن هناك ظروف اجتماعية خاصة بكل بلد يجب أن توضع في الاعتبار عند الاختيار بين النظام الحر الكامل والنظام الاشتراكي الكامل بمعني إدارة الحكومة للاقتصاد بشكل يكاد يكون كامل، وهو ما قامت به مصر في فترة من الفترات، ثم حاولت التخلي عنه بشكل كامل أيضا لصالح السوق الحر، وهو ما فشل في الحالتين.
ولن نتهم أحدا بالتسبب في هذا الفشل، فالجميع اشترك في هذا، لكن منذ أن تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد بدأ في تطبيق النظام الأكثر ملاءمة للوضع المصري، وهو الاقتصاد الحر المراقب من الدولة، بمعني أن نأخذ أحسن ما السوق الحر، من تشجيع القطاع الخاص والسماح له بالعمل بحرية إلي جانب الحكومة، مع الحر علي مراقبة أداء هذا السوق الحر، وحماية الطبقات الفقيرة في الوقت نفسه، وتقديم الخدمات الضرورية لهم بسعرة يتناسب مع قدراتهم، بالإضافة إلي التوسع في برامج الحماية الاجتماعية، واتاحة الفرص للطبقات الفقيرة في تحسين أحوالهم الاقتصادية.
إذن الأفضل أن نأخذ من كل نظام اقتصادي ما يتناسب مع طبيعتنا وقدراتنا، وألا نرفض أي نظام بشكل كامل أو نرفضه بشكل كامل، وأن تحرص الدولة علي أن تكون حاضرة في كل الأحوال والأنظمة بالرقابة والمتابعة والمحاسبة إذا تتطلب الأمر ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة