نواصل اليوم الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان" ونقرأ اليوم ما قاله فى تفسير سورة الفاتحة فى آية "مالك يوم الدين".
فى هذه الآية 9 مسائل هى:
الأولى
قوله تعالى: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قرأ محمد بن السميقع بنصب مالك، وفيه أربع لغات: مالك وملك وملك مخففة من ملك ومليك.
الثانية
اختلف العلماء أيما أبلغ: ملك أو مالك؟ والقراءتان مرويتان عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبى بكر وعمر. ذكرهما الترمذي، فقيل: (ملك) أعم وأبلغ من (مالِكِ) إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، ولان أمر الملك نافذ على المالك فى ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك، قال أبو عبيدة والمبرد.
وقيل: (مالِكِ) أبلغ، لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع، ثم عنده زيادة التملك.
وقال أبو حاتم: إن مالكا أبلغ فى مدح الخالق من (ملك)، و(ملك) أبلغ فى مدح المخلوقين من مالك، والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا، واختار هذا القول القاضى أبو بكر بن العربى وذكر ثلاثة أوجه:
الأول: أنك تضيفه إلى الخاص والعام، فتقول: مالك الدار والأرض والثوب، كما تقول: مالك الملوك.
الثانى: أنه يطلق على مالك القليل والكثير، وإذا تأملت هذين القولين وجدتهما واحدا.
والثالث: أنك تقول: مالك الملك، ولا تقول: ملك الملك.
الثالثة:
لا يجوز أن يتسمى أحد بهذا الاسم ولا يدعى به إلا الله تعالى، روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة قال، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض" وعنه أيضا عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الاملاك زاد مسلم لا مالك إلا الله عز وجل" قال سفيان: مثل: شاهان شاه.
الرابعة:
أما الوصف بمالك وملك فيجوز أن يوصف بهما من اتصف بمفهومهما، قال الله العظيم: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً).
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة».