السعى لتعيين الملامح الجمالية لقصيدة النثر المصرية الراهنة يحتاج للسير فى طريق من اثنين ، إما البحث عن إجابات للأسئلة التى طرحناها فى مقال الأمس حول علاقة القصيدة بالزمن والمكان ، بالقضايا الملهمة ، بالذات والموضوع ، بالتجريب ، ومنطلقات الشعراء المصريين البارزين للإمساك بقصائدهم وكيف صنعوا المناخات الشعرية الخاصة بهم واختلاف هذه المنطلقات من شاعر لآخر ، وأبرز الإنجازات الأسلوبية لهؤلاء الشعراء.
أما الطريق الثانى ، فيبدأ بمساءلة منجزات الشعراء نفسها ، وطرح الأسئلة السابقة عليها والبحث عن إجابات من داخل النصوص ، بدلا من التنظير الذى يتخذ صفة العمومية أو محاولة إثبات الأفكار النظرية بنماذج مختارة من قصائد الشعراء كما يفعل بعض النقاد حتى ينتصروا لوجهة نظرهم بصرف النظر عن الموضوعية والأمانة.
وأجدنى أقرب إلى التعامل النقدى البصير مع منجزات مجموعات من الشعراء المصريين تباعا ، نقاربها ونسائلها ونبحث فى أساليبها وظواهرها الجمالية ، ربما نستطيع أن نقترب من تعيين أبرز الظواهر الجمالية لقصيدة النثر المصرية الراهنة ، خاصة وأن كتابها يشكلون طيفا واسعا من الشعراء يتوزعون بين أجيال ومراحل عمرية مختلفة، كما أننى ألاحظ بعين القارئ المتابع أن هناك ملامح جمالية فى قصائد عدد من زملاءئى الشعراء مسكوت عنها ، أو غيرمستحب الإشارة إليها فيما يكتب من مقالات أو دراسات نقدية ومنها مثلا القصائد وليدة التفكير والتأمل والاهتمام العقلى الصرف ، كما تشيع عند الشاعر مهاب نصر ، أو التوسع فى العلاقات والتراكيب اللغوية التى يمكن أن تشملها القصيدة ، كما يتجلى عند الشاعر ياسر عبد اللطيف ، أو البحث عن غنائية جديدة فى قصيدة النثر كما فى عمل الشاعر محمد رياض ، أوالكتابية كمفهوم ومنطلق للقصيدة كما هو الحال لدى الشاعر علاء خالد.
أيضا ، فى سعينا هذا ، لابد وأن نقترب أولا من مفهوم الجمال وما طرأ عليه من تغييرات خلال المعالجات الشعرية فى العقدين الأخيرين حتى بات قوس الجمال يتماس مع القبح وأصبح لدينا ما يعرف بجماليات القبح وعلاقات الجمال الخشن ، أيضا ، علينا أن نبحث فى اتساع مفهوم الجمال ليتجاوز القيم الجمالية الشعرية إلى استيعاب قيم السرد بتنوعاته ومستوياته من حكى وقص وإخبار ومخاطبة ووصف وإطناب وقيم الفن التشكيلى الجمالية من اتزان وعدم اتزان ومنظور وبعثرة المفردات وقص ولصق وكولاج ودفق لونى وتجريد ، وقيم سينمائية من مشهدية ومونتاج وتعدد للخطابات وحوار إلخ
ويتضمن مسعانا أيضا ، بحث التيمات الإيقاعية بالمفهوم الشامل للإيقاع ، التى تتضمنها قصيدة النثر المصرية الراهنة فى نماذجها المختارة ، وما إذا كان علينا أن نبحث فى مفهوم إيقاعات المدن وإيقاعات الزحام وإيقاعات التوتر وإيقاعات الأفعال المستخدمة وإيقاعات الفراغات فى النصوص وإيقاعات التكرار والتداعى ، وإيقاعات الجمل المتزنة وإيقاعات النهايات للفقرات الشعرية .
سؤال المعنى أيضا يشغل حيزا كبيرا من بحثنا فى قصيدة النثر المصرية الراهنة ، مستويات المعنى وعلاقات الترميز والتناص وتلاقح الفنون ، المعنى الكلى للقصيدة ، إعادة إنتاج الدلالة من خلال استخدام الألفاظ فى سياقات جديدة ، المعنى المستمد من الشكل ، ماهية الشعر باعتباره كلاما ، تأويل المعانى الظاهرة والمضمرة فى النص ، الإيحاءات والإشارات داخل النصوص ومدى إسهامها فى المعنى الكلى .
وإلى جانب سؤال المعنى ، نتقصى اللغة الجوهرية فى القصيدة المصرية الراهنة ، انطلاقا من أن الشعر هو صناعة وإنجاز فرديين داخل قواعد اللغة بوعى واختبار ، ومدى اختلاف اللغة فى القصيدة عن اللغة الاستعمالية واللغة الوظيفية واللغة الشكلية الزخرفية ، وقدرة الشعراء على الإنجاز من خلال توسعة الأرض اللغوية التى يمتلكونها للإقتراب من مناخات وعوالم جديدة ولإنشاء علاقات وتركيبات لغوية تستطيع التعبير عما يدور فى نفوسهم وأذهانهم
فى سعينا للإجابة عن الأسئلة الجمالية لقصيدة النثر المصرية الراهنة نقترب بداية ، من أعمال عشرة شعراء من أجيال مختلفة ، تجمعهم قصيدة النثر ، مهاب نصر ، محمد رياض ، فاطمة قنديل ، خالد السنديونى ، فريد أبو سعدة ، عماد فؤاد ، محمد الكفراوى ، جمال القصاص ، علاء خالد و أحمد طه
وللحديث بقية..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة