د. حسن راتب

"التعاونيات".. الشريك الثالث الغائب فى اقتصادنا

الإثنين، 01 يوليو 2019 11:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يحتفل العالم السبت المقبل بالتعاونيات وهى احتفالية سنوية يتم تنظيمها فى السبت الأول من شهر يوليو.

 

منذ شرعت الأمم المتحدة بالتعاون مع الحلف التعاونى الدولى تنظيم الاحتفال بها منذ عام 1995 بهدف إذكاء الوعى بالنظام التعاونى وتعزيز الشراكة الدولية بين أطراف الحركة التعاونية والجهات الفاعلة الأخرى .

 

تقام احتفالية هذا العام تحت شعار "التعاونيات سبيلا للعمل اللائق" باعتباره نظاما اقتصاديا اجتماعيا يوفر فرص العمل الكريمة لأكثر من 279 مليون شخص أی ما يقارب 10% من إجمالى عدد سكان العالم .

 

لكن بالرغم من تعاظم دور الحركة التعاونية وتضاعف أنشطتها وعوائدها سنويا فى الاقتصاد العالمى إلا أنها لم تحظَ بالاهتمام والرعاية الواجبة فى مصر بالرغم من نشأة الحركة التعاونية المبكرة بها فى أوائل القرن العشرين بدعوة عمر لطفى فى غضون الأزمة المالية والاقتصادية العالمية عام 1908 التى اكتوى بنارها المصريون فكانت دافعا لصدور القانون الأول للتعاون فى عام 1923 ثم القانون الثانى المنظم للجمعيات التعاونية بأنواعها المختلفة عام 1927 فما هو سر تعاظم الحركة التعاونية فى العالم وتراجعها وانكماشها بمصر؟؟

 

بالرغم من تعدد المصطلحات الحديثة كالاقتصاد الرقمى والاقتصاد التشاركى والاقتصاد المعرفى والاقتصادى الاجتماعى وغيرها من المصطلحات التى أضيفت إلى قاموس الاقتصاد العصرى فى أرجاء العالم المتقدم والنامى إلا أن مصطلح الاقتصاد الاجتماعى قد تصدر المشهد واحتل الصدارة فى كل برامج التنمية فى العالم وبالأخص أن تصاعد دور التعاونيات بعد أزمتین اقتصاديتين تعرض لهما العالم فى 1908 و2008 وكان الدرس المستفاد منهما هو ضرورة تعظيم دور النظام التعاونى كشريك ثالث فى إدارة التنمية المستدامة مع القطاع الخاص والحكومى لم يكن رد فعل عاطفى من الأمم المتحدة والحلف التعاونى ومنظمة العمل الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية الاقتصادية بل كان استجابة لبحوث ودراسات توصلت إلى أن النظام التعاونى هو السبيل الوحيد لمكافحة الفقر وخفض الفجوة بين الأغنياء والفقراء والحفاظ على الطبقة الوسطى والارتقاء بطموحاتها لتحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى والبيئى. من هنا تعاظم دور النظام التعاونى وخضع للتحديث والتطور لمواكبه تحديات الثورة الصناعية الرابعة التى سوف تختزل المسافات والأزمنة بينما يتوقع لها زیادة اتساع الفجوات التكنولوجية بين دول الشمال الغنى والجنوب الفقير وبين رفاهية الأغنياء وهموم الفقراء!!. وهو ما يستلزم مواجهته بالاستثمار فى رأس المال البشرى وتأهيل القاعدة الشعبية العريضة بالدراسة والتدريب والممارسة على المشاركه فى إدارة الاقتصاد وهو مضمون المبادئ السبعة للنظام التعاونى المعروف باسم الاقتصاد الاجتماعى.

 

اذا استعرضنا بحيادية وشفافية تحديات التنمية الاقتصادية فى مصر نجد أن أبرزها "إتكال الشعب على الدولة" فالحكومة هى الأب والأم المسئول عن تدبير معاش المواطنين وتوزيع أرزاقهم ومآكلهم ومشربهم و..و.. إلى حد تحمل توابع أی كارثة طبيعية!! وحتى أكون منصفا فإننى لا أستطيع توجيه اتهام الاتكالية والسلبية للمواطن دون أن أشير إلى دور الدولة فى تنمية تلك الثقافة الاتكالية عبر سنوات طويلة سابقة لأسباب لا يتسع المقام لاستعراضها ولكنها انتهت بنا إلى الوضع الحالى من استنزاف موازنة الدولة فى تدبير مرتبات جيوش من الموظفين يفوقون الطاقة الاستيعابية للمصالح الحكومية ويفتقرون إلى الكفاءة المنشودة.

 

وهو ما ظل عيبا مستورا تخشى الحكومات المتعاقبة على المجاهرة به بدعوى الاستقرار السياسى حتى تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى اتخذ المصارحة والمكاشفة سبيلا للإصلاح الاقتصادى فصارح الشعب بالمواجع وفى مقدمتها ضرورة استعادة ثقافة المشاركة المجتمعية واستنهاض طاقات الإبداع والابتكار التى صنع بها المصريون حضارتهم القديمة .

 

استقبلت الحركة التعاونية مضمون رسائل الرئيس ودعوته المتكررة للمصريين فى كل المناسبات بضرورة استبدال ثقافة "الاتكال" بثقافه "بناء الذات" و"المشاركة المجتمعية" وكأنها تكليفا لها بتلك المهمة فسارعت بطلب اللقاء به وهو ما استجاب له فورا بترحاب وسعه صدر فى 20 أکتوبر 2016 حينما استمع لقيادات الحركة التعاونية وهم يترجمون التطبيق العملى لمطلبه وطموحاته للمصريين بكونه تعظيم دور الشريك الغائب فى اقتصادنا دون سائر العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه وهو النظام التعاونى الذى يدبر سبل العيش لحوالى نصف سكان العالم من خلال حوالى 3 ملايين مؤسسة تعاونية يشارك بها حوالى مليار شخص توفر 100 مليون فرصة عمل.

 

أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسى بحسه الوطنى والسياسى خلال الحوار مع ممثلى أكثر من 12 مليون تعاونی أن طموحاته وأحلامه لمصر والمصريين لن تكتمل سوى بتهيئة مناخ أفضل لإنعاش الحركة التعاونية وتطويرها وتحديثها لمواكبة العالم، وبالأخص فى مجالات خدمات الطاقة الجديدة والمياه والصرف الصحى وغيرها من الخدمات والاستثمارات الشعبية  التى  تخفف أعباء الحكومة وترفع عن كاهلها التمويل والإدارة والصيانة كما هو الحال فى أمريكا وأوربا واليابان وروسيا وغيرها .

 

كلف الرئيس قيادات الحركة التعاونية بإعداد استراتيجية تتوافق مع استراتيجية الحكومة 2020-

2030  وتواكب التطور العصرى لدور التعاونيات فى إدارة الدولة كما وافق على مطلب الحركة التعاونية بإنشاء مجلس أعلى التعاونيات تحت رعايته وبرئاسة رئيس الوزراء حتى يحدث التزاوج المنشود بین استراتيجية الحكومة للتنمية المستدامة واستراتيجية التعاونيات على مستوى التخطيط والتنفيذ .

 

وكعادة الرئيس فى الوفاء والرعاية لكل يساهم فى تحقيق طموحاته للوطن صدر قرار تشكيل المجلس الأعلى للتعاونيات، وكعادة التعاونيين فى الالتزام الوطنى تم صياغة الاستراتيجية التعاونية ( 20-30) التى لازالت فى انتظار التفعيل والتنفيذ لمواجهة التحديات المتراكمة والمتزایدة للبطالة وسوء وتدهور الخدمات الأساسية بالمناطق الريفية وتآكل الطبقة الوسطى وزيادة نسبة الفقر و.. و.. وكلها تحديات لا تقوى أغنى دول العالم على مواجهتها دون المشاركة المجتمعية من خلال تهيئة المناخ للشريك الغائب وهو النظام التعاونى.

آن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى بهدف دعم الاقتصاد والخروج به من الأزمات التى تعرض لها خلال سنوات ماضيه قد حقق تنفيذ العديد من السياسات التى ساهمت فى معالجه تشوهات طالما عانينا منها، وكان فى مقدمتها سياسات تحرير سعر الصرف وسياسات الاستثمار، التى صاحبها مواجع اجتماعية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من تصاعدها سوى بالمنهج الذى اتخذه الرئيس أسلوبا لقيادته وإدارته لشئون مصر وأمنها القومى والمصارحة والمكاشفة وشجاعة المواجهة بالاستئصال وليس المسكنات وهو ما يجب أن يكون مسلك الحكومة التنفيذية بتفعيل استراتيجية التعاونيات التنمية المستدامة.

 

من هنا أؤكد أن عودة الشريك الغائب فى اقتصادنا سوف يستنهض همة المصريين ويستعيد ثقتهم فى إدارة أعمالهم بالتمويل الذاتى والمشاركة مما يساهم فى صناعة مواطن مصرى جديد يملك قدرات استيعاب تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة وذلك بمضاعفة الجهود لرفع مؤشر رأسمال البشرى الحالى (49.0) طبقا لتقرير البنك الدولى لعام 2018 وهو مؤشر ( HCI)يعبر عن انخفاض مستوى خدمات الصحة والتعليم المقدمة للمواطن بشكل لا يؤهله بدنیا أو ذهنيا لمواكبة تحديات الثلاثين عاما القادمة.

 

أود الإشارة هنا إلى إمكانيه تحسن المؤشر لو التزمت الدولة بتفعيل ما ورد بالدستور من التزامات بتخصيص ما لا يقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى للصحة و4% للتعليم العام و2% على الجامعى و1% على البحث العلمى، أی أن تحقيق تلك المخصصات (10%) يمكن أن يغير الواقع الحالى.

 

ولكننى أقر حتى أكون منصفا بصعوبة وفاء الحكومة بتلك المخصصات فى الوقت الحالى بسبب أعباء مالية تاريخية متراكمة وهو ما يؤكد رؤيتى فى هذا الكتاب ودافعى لإصداره.. بأن التعاونيات هى الحل لصناعة مواطن مصرى جديد ودوله عصريه يحتل مواطنوها مراكز متقدمة فى مقياس السعادة بين شعوب العالم !.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة