هناك حجر أسود فرعونى، محفوظ الآن فى المتحف البريطانى، وكان قد عثر عليه بحوزة أحد القرويين، وحَوَله إلى قاعدة لحجر طاحون لطحن الغلال لسنوات طويلة، دون علم أن الحجر يحتوى على نقوش غاية فى الأهمية.
يقول عالم الآثار الأشهر، جيمس هنرى برستد، إن الحجر مدون عليه نقش يقول: "إن جلالته، نقل هذه الكتابات من جديد فى بيت والده بتاح جنوبى جداره، وقد وجدها جلالته بمثابة عمل خلفه الأجداد فقد أكله الدود حتى أصبح لا يمكن قراءته من البداية للنهاية، ولذلك قام جلالته بكتابته من جديد حتى أصبح أكثر جمالا مما كان عليه من قبل"، مؤكدا أن الملك "شبكا" نقل ما هو مدون على الحجر الأسود، مما هو مدون على ورق البردى، التى تعفنت وبدأ الدود يتسلل إليها ليأكلها، لذلك حفظ هذا النص على الحجر الأسود، ليكون شاهدا حيا، يراه جيلا بعد جيل.
وأكد برستد، أن لغة النص المدون على الحجر الأسود، والمنقول من ورق البردى، نص قديم، لأن مصطلحاته قديمة جدا، وربما قبل العصور التاريخية بقرون طويلة، كما أن المتن يكشف عن موقف تاريخى يدل بداهة على أن وقوعه لا يمكن إلا بداية الاتحاد الثانى "توحيد البلاد" أى فى عهد تأسيس الأسرة الأولى على يد الملك مينا، قرابة سنة 3400 قبل الميلاد، وعلى ذلك يكون المتن من إنتاج الحضارة المصرية فى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، وبذلك يكون قد أعطى لنا صورة من أفكار أقدم بنى البشر لم يصل إلينا مثلها مدونة إلى الآن.
وأوضح عالم الآثار المصرية، الأمريكى الجنسية، جيمس هنرى برستد، أن النص المدون على الحجر الأسود، يتشابه مع المدون على بردية عثر عليها "زيتة" وتعود إلى سنة 2000 قبل الميلاد.
ويقول برستد، إن "زيتة"، يرى أن النص، عبارة عن رواية فى شكل خطبة مطولة لكاهن، أو رجل دين شهير، يظهر فيها حوارا للآلهة، والوثيقة تشبه كل الشبه بحالة تلفت النظر القصص المقدسة التى مثلت فى المسرحيات المسيحية الرمزية فى القرون الوسطى.
والنص المقدس، يؤكد أن الإله "بتاح" إله منف يقوم بدور إله الشمس الذى يعتبر إله مصر الأسمى، وذلك يفسر لنا العادة التى كان يسعى بها الإله المحلى للحصول على عظمة إله الشمس، بأن يتقلد مركزه ويلعب الدور الذى لعبه فى تاريخ مصر الخرافى ومنشأه، وأن سيادة الإله "بتاح" فى النص المدون على الحجر الأسود، يدل بوضوح على تزعمه مدينة "منف" تزعما سياسيا، وتلك الزعامة، ترجع فى هذه الحالة إلى انتصارات "مينا" مؤسس الأسرة الأولى، وذلك الملك ورغم أن مولده كان فى "تنيس" بمصر العليا، إلا أنه أسس "منف" لتكون عاصمة له، ومقرا دائما لحكمه.
ويوضح هنرى برستد، أن النص المدون على الحجر الأسود، يبرز لنا إله الطبيعة القديم، وهو إله الشمس "رع" متحولا تماما إلى قاض يحكم فى شئون البشر، تلك الشئون التى أصبح ينظر إليها من الناحية الخلقية، فهو يحكم عالما يرى من واجبه توجسه حياة البشر فيه طبقا لقواعد تفصل بين الحق والباطل، وأنه من المدهش جدا أن نجد مثل هذه الأفكار كانت قد ظهرت فعلا فى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد..!!
أما رمزية الحجر الأسود فى المسيحية، فقد جاء فى الإصحاح الحادى والعشرين من إنجيل "متى" ما نصه: "قال لهم يسوع أما قرأتم قط فى الكتب: الحجر الذى رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قِبل الرب، كان هذا وهو عجيب فى أعيننا، لذلك أقول لكم: أن ملكوت الله يُنزَع منكم ويُعطَى لأمة تعمل على إثماره".
أما فى الإسلام، فإن رمزية الحجر الأسود، موضع إجلال، والحجر عبارة عن عدة أجزاء، بيضاوى الشكل، أسود اللون مائل إلى الحمرة، وقطره 30 سم، ويرتفع عن الأرض 1.5 متر، وهو محاط بإطار من الفضة الخالصة صونًا له، ويوجد فى الركن الجنوبى الشرقى للكعبة من الخارج، ويُعد نقطة بداية الطواف ومنتهاه.، وروى ابن عباس عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «نزل الحجر الأسود من الجنة أبيض من الثلج فسودته خطايا بنى آدم».
ومن خلال هذا السرد، يتبين أن للحجر الأسود رمزية دينية، سواء فى عهد الفراعنة الأوائل، أو المسيحية، والإسلام، والجميع أكد أنه يقع فى "زاوية"...!
وللحديث بقية إن شاء الله...!!