تمر اليوم ذكرى ميلاد العالم المسلم الحسن بن الهيثم، الذى ولد فى فى البصرة أول يوليو من عام 965م فى عهد الخلافة العباسية.
وكانت تلك الفترة هى الفترة الذهبية فى العصور الإسلامية التى اشتهر فيها العلماء والفلاسفة من مُختلَف بقاع الدولة الإسلامية؛ حيثُ قاموا بإسهاماتٍ كبيرةٍ فى مجال العلوم.
سافر فى طلب العلم إلى بغداد والشام ومصر. قال البيهقي: "وأقام فى الشام عند أمير من أمرائها. فأدرّ عليه ذلك الأمير، وأجرى عليه أموالا كثيرة. فقال أبو على (يكفينى قوت يومي). ولم يقبل إلا نفقة احتاج إليها، ولباسا متوسطا".
درس شتى العلوم مما ترجم عن الإغريق وغيرهم، وعمل لبعضها ملخصات، وصنف فى موضوعات مختلفة وأبدع. درس الطب فى بغداد واجتاز فحص الممارسة الذى وضعه أولا الخليفة العباسى المقتدر بالله سنة 921م. كما كان له باع مهم فى فنون الرياضيات والفيزياء وفى المنهج العلمي. وكان، وهو ينقل عن غيره، لا يستحى من نسبته إلى صاحبه. نقل عنه البيهقى قوله: "إذا وجدت كلاما لغيرك فلا تنسبه لنفسك، واكتف باستفادتك منه. فإن الولد يلحق بأبيه، والكلام بصاحبه".
كان للحسن بن الهيثم العديد من الإنجازات فى مجالات مختلفة، وعلى رأسها الفيزياء، وعلم البصريات على وجه التحديد، فهو أوّل من أثبت أنّ الضوء ينعكس من جميع النقاط فى الأجسام إلى العين بعكس ما كان شائعاً فى تلك الفترة بأنّ العين هى التى تُطلِق الأشعة فترى الأجسام، ويرجع إليه ابتكار الكاميرا التى أسماها بالبيت المُظلِم، بالإضافة إلى كونه أوّل من شرّح العين وبيّن أعضاءها ووظائفها.
كانت لهذا العالِم إسهامات كبيرة فى علم الفلك، فبين أنّ القمر يعكس ضوء الشمس من جميع النقاط على سطحه، ووضع بحوثاً قيّمةً فى مسألة تكبير العدسات، وبرهن أنّ الشعاع الضوئى ينتشر فى خطّ مستقيم إذا مرّ فى وسطٍ مُتجانس.
أما نظريته فى الإبصار، فقد كانت الفرضيات قبله هما فرضيتا الورود والإبصار، فجاء ابن الهيثم ليصوغ نظرية متكاملة فى الإبصار، كانت الأولى فى تاريخ العلم، ومع اهتمامه بالجانب التشريحى للعين، فإنه عاملها أيضا كآلة للإبصار. واستفاد من تشريح العين ليقدم نظريته فى ورود الشعاع من نقطة المبصَر إلى البصر، مارا بمركز الكرة (العين)، ومن ثمّ ليجرى عليه انكسار لأنه على سمت أنصاف أقطار الكرة. وهذا دفعه لأن يعتبر طبقات العين أجزاء من كرات متحدة المركز.
ترتكز نظريته على أن الإبصار يحدث بورود الضوء من كل نقطة من الجسم المبصَر إلى العين. فيدخل القرنية، ويمر من ثقب العنبية إلى الرطوبة البيضية، وبعدها إلى الرطوبة الجليدية. ويدعى أن الجليدية هى أول عضو من طبقات العين يلقاه الضوء النافذ فيها. ولذلك، أى تلف فى أجزاء العين سيحول دون وصول الضوء للجليدية ويتسبب بالعمى. كما أن أى تلف بالجليدية يبطل الإحساس بالضوء ويؤدى إلى العمى. ويثور سؤال هنا: كيف يدرك البصر هذه الأجسام مرئية غير ممتزجة فى وقت واحد؟ ويكون جوابه فى غاية الذكاء، بالفرضية التالية: تدرك العين صور الأجسام مرئية غير ممتزجة، لأنه لكل نقطة على الجسم المبصَر لها نقطة نظيرة على سطح الجليدية متخصصة بالإحساس بصورتها. ويحدث الإحساس من الشعاع الوارد من النقطة على سطح الجسم المبصَر إلى النقطة النظيرة لها على سطح عدسة الجليدية. ولا تحس الجليدية إلا بالأشعة المستقيمة، مما يوجب أن تكون الأشعة ممتدة على السموت العمودية على طبقات العين، حيث تمر بمركز البصر.
ويمكن تخيل مخروط رأسه مركز المبصَر، وقاعدته ثقب العنبية، ويمتد خارجا من هذا الثقب. فإذا صادف مبصَرا، فإن الأضواء الواردة من نقاط المبصَر على سموت المستقيمات التى يلتئم منها المخروط لا تعانى انعطافا، ولهذا لا تحس الجليدية إلا بها. ويكون ترتيب سقوط هذه الأشعة على مقدم الجليدية على ترتيب نقاط الجسم المبصَر. وهذا التفسير مستساغ فى العلم الحديث بشكل عام. ونجد ابن الهيثم يستشهد بسقوط الأجسام سقوطا حرا فى خطوط مستقيمة ليدعم تفسيره. وماذا عن الأجسام التى تكون خارج مخروط الأشعة، فى أن العين تراها وتدركها؟ ويدلل على وجودها بقوله: "وإذا أقام الإنسان سبابته بجفنه الأسفل، وتعمد أن يكون سطحها الأعلى موازيا لسطح بصره بالقياس إلى الجبين، فنه يرى سبابته. وهذه المواضع كلها ظاهرة غير ملتبسة. إنها خارجة عن مخروط الشعاع". (دراسة مصطفى نظيف ص 234). وهذا يدفعه لتصحيح نظريته السابقة ليتم الإدراك أيضا بالأضواء المنعطفة. فأشعة المخروط المذكور آنفا تنعطف فى طبقات العين لتلتقى على الجليدية، إلا سهم المخروط وهو الشعاع الممتد على السمت العمود، فإنه لا يعانى انعطافا على الجليدية حتى بلوغه سطح الزجاجية. ويعتبر أن إدراك الضوء دون انعطاف كما يحصل فى الشعاع الممتد على السمت العمودي، أقوى من إدراكه بعد الانعطاف. فالأجسام التى تقع داخل مخروط الأشعة تدرك بالضوء الوارد على سموت الأعمدة، وبالضوء المنعطف أيضا. لذلك تكون رؤيتها أوضح من رؤية الأجسام الخارجة عن مخروط الأشعة التى تدرك بالانعطاف أيضا.
ولا يحصل الإحساس إلا على سموت الأعمدة الخارجة من مركز البصر. وتلتقى الأشعة على الجليدية مكونة صورة الجسم، وتلبث هنيهة ثم تمضى إلى العصب البصرى عن طريق ثقب العصبية ثم إلى المخ. وهناك تنطبق صورة كل عين على الأخرى مكونة صورة مجسمة يدرك بها المخ اللون وترتيب النقاط والشكل. ويعنى هذا إشارته إلى أعصاب العينين كلتيهما تتقاطعان فى المخ. ويدلل على ذلك بأنه إذا أصيب الجانب الأيمن من المخ تعطلت العين اليسرى، وإن أصيب الجانب الأيسر تعطلت العين اليمنى.
ورحل الحسن ابن الهيثم فى مصر فى عام 1040.