فى الوقت الذى يمر فيه لبنان بمرحلة شديدة الوعورة فى ظل تحديات اقتصادية، فرضتها ظروف سياسية لا يعلم أحد مداها، حيث يمر لبنان بأزمة مالية واقتصادية حادة، ويعاني من تباطؤ في معدل النمو الذي بلغ خلال النصف الأول من العام الحالي صفر%، إلى جانب الدين العام الذي يبلغ نحو 86 مليار دولار، كما أن نسبة الدين العام اللبناني إلى الناتج المحلي الاجمالي تبلغ نحو 150% ، فضلا عن عجز كبير مقارنة بالناتج المحلي بلغ 11.5%، ونسبة بطالة بنحو 35%، علاوة على تراجع كبير في كفاءة وقدرات البنى التحتية للبلاد والأداء الاقتصادي العام.
يتزامن ذلك مع فرض واشنطن عقوبات على أعضاء من حزب الله، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت تلك العقوبات ستؤثر على عمل الحكومة اللبانية التى أم لا.
وفى سياق تردد تلك التساؤلات، نفى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريرى، اليوم، الأربعاء، فى بيان له، أن يكون للعقوبات الأمريكية بحق اثنين من نواب جماعة حزب الله، للمرة الأولى أى أثر على عمل البرلمان أو الحكومة، وأضاف "إنه أمر جديد سنتعامل معه كما نراه مناسبا، ومن المهم أن نحافظ على القطاع المصرفي وعلى الاقتصاد اللبناني وإن شاء الله تمر هذه الأزمة عاجلا أم آجلا".
تأجيل انعقاد مجلس الوزراء
يأتى هذا فى الوقت الذى يشهد مسار العمل الحكومي في لبنان حالة من الجمود على صعيد انعقاد جلسات مجلس الوزراء، وذلك بعدما اضُطر الحريري إلى تأجيل جلسة الحكومة التي كانت من المقرر لها أن تنعقد صباح الثلاثاء الماضي، مشيرا إلى أن الاحتقان السياسي في البلاد، والذي أعقب أحداث عنف الجبل، اقتضى التأجيل لحين التوصل إلى حلول للخلافات.
حيث شهدت منطقة الجبل، مؤخرا، أحداث عنف مسلحة تسببت في توتر سياسي شديد في عموم لبنان، على خلفية زيارة أجراها وزير الخارجية رئيس "التيار لوطني الحر" جبران باسيل إلى عدد من قرى الجبل، ويصر التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني وبدعم من حزب الله، على إحالة الوقائع في أحداث عنف الجبل إلى المجلس العدلي (جهة قضائية تنظر في القضايا شديدة الخطورة التي تمس أمن الدولة)، وفي المقابل يرى الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية وبدعم من رئيس المجلس النيابي، أن يُترك الأمر للقضاء العادي وأن يتم إعطاء الوقت للتحقيقات لكشف حقيقة ما جرى من أحداث في الجبل.
وعلى خلفية تلك الأحداث أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أنه لن يدعو إلى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء "قبل أن تهدأ جميع الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة"، داعيا كافة القوى السياسية داخل الحكومة إلى التحلي بالهدوء والتروي حرصا على مصالح لبنان والمواطنين.
الحريرى: أمور إيجابية
وعلى الصعيد الاقتصادى فى لبنان ، أكد الحريرى، أن بلاده لديها الإمكانيات والقدرات اللازمة لتجاوز التحديات المالية والاقتصادية والمصاعب التى تمر بها، معربا عن تفاؤله بتحقيق النجاح والنهوض فى لبنان.
وأشار الحريري إلى وجود العديد من الأمور الإيجابية المتمثلة في قرب إقرار موازنة عام 2019، في المجلس النيابي، والتي تتضمن إصلاحات وخفض في النفقات ونسبة العجز إلى 7.5%، إلى جانب الجهود الرامية إلى إقرار موازنة 2020 ضمن المهل الدستورية المحددة.
وأضاف أنه سيتم إجراء خفض تدريجي للدعم المالي الذي تتلقاه مؤسسة كهرباء لبنان (مؤسسة الكهرباء العمومية) ابتداء من العام المقبل، وتنفيذ مشاريع برنامج الإنفاق الاستثماري الذي وضعته الدولة، والعمل على النهوض بالقطاعات الإنتاجية، وتنفيذ خطة النهوض الاقتصادي التي وضعتها مؤسسة (ماكينزي) الدولية للاستشارات المالية والاقتصادية بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، وكذلك البدء في عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط أواخر هذه السنة.
ولفت إلى أن القطاع المصرفي اللبناني لطالما اتسم بالصلابة وكان السند الأساسي للاقتصاد اللبناني رغم الظروف الصعبة، وحافظ على التزام المعايير والأنظمة الدولية بشهادة كل الدول والمنظمات الدولية.
الأوضاع الاقتصادية بلبنان
ويعول لبنان على المقررات المالية تم الإعلان عنها خلال مؤتمر باريس الدولي (سيدر) والمنعقد في شهر أبريل 2018، والذي أسفر عن منح وقروض ميسرة قدمتها الدول الداعمة والمؤسسات الدولية، بقيمة تقارب 12 مليار دولار لصالح لبنان لدعم اقتصاده والبنى التحتية به، شريطة إجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية وهيكلية.
وبدأت الحكومة اللبنانية أولى خطوات الإصلاح المالي والاقتصادي بالعمل على خفض عجز الموازنة في مشروع موازنة 2019 المقدم إلى مجلس النواب -والمرجح أن يقوم المجلس النيابي بإقراره خلال شهر يوليو الجاري- وضغط وترشيد النفقات العمومية في كافة الوزارات ومؤسسات الدولة في إطار سياسة تقشف عام لوقف التدهور المالي والاقتصادي الذي تشهده البلاد.
وتتوقع الحكومة نسبة عجز مقارنة بالناتج المحلي بنحو 59ر7% في الموازنة الجديدة، بدلا من مستوى العجز المرتفع الذي وصلت إليه موازنة 2018 والذي بلغ 5ر11%.
ويبلغ حجم الإنفاق العام بالموازنة الجديدة 23 ألفًا و340 مليار ليرة (15 مليارًا و560 مليون دولار) يضاف إليها مبلغ 2500 مليار ليرة (مليار و666 مليون دولار) تمثل مبلغ الدعم لمؤسسة الكهرباء العمومية (كهرباء لبنان) لتغطية العجز في قطاع الكهرباء، وفي المقابل جاءت الواردات بقيمة 19 ألفًا و16 مليار ليرة (12 مليارًا و677 مليون دولار).
وأشار الحريري إلى أن أهمية المشروع أنه يقوم على الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، قائلا: "وهو ما يجب أن يكون عليه توجه الدولة من الآن فصاعدا، فالدولة ليس عملها أن تقوم بتشغيل المرافق العامة، بل واجبها أن تسهل إنشاء هذه المرافق، سواء كانت مدرسة أو فندقا أو جامعة أو غيرها، وعلى القطاع الخاص أن يكون شريكا حقيقيا لإنماء لبنان".
مفتى لبنان : الحريرى متحمل مسئولياته
ومن جانبه علق مفتى الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، قائلا إن رئيس الحكومة سعد الحريرى يتحمل أعباء المسؤولية فى مرحلة حساسة من عمر البلاد، والتى تتطلب المزيد من الهدوء والصبر، جاء ذلك في تصريح له عقب لقائه اليوم مدير جهاز الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، والذي قال: "إن هناك تقدمًا يتم إحرازه في شأن حل الأزمة المتعلقة بأحداث العنف التي وقعت في منطقة الجبل مؤخرًا".
مساع لنزع فتيل التوتر بعد اشتباكات منطقة الجبل
وأثنى المفتي على المساعي التي يبذلها مدير الأمن العام اللبناني في شأن أحداث عنف الجبل التي وقعت قبل 10 أيام، واصفًا إياها بالجهود المميزة، مؤكدًا أن السياسيين اللبنانيين مهما اختلفوا في الرأي إلا أنهم أبناء بلد واحد، ولديهم من الحكمة لمعالجة الأمور مهما بلغت صعوبتها .
وأضاف أن تكليف مدير الأمن العام بقضية أحداث عنف الجبل ، يمثل دليلًا على الوعي والإحساس بالمسؤولية التي يتحلى بها الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء سعد الحريري .
ويقود مدير جهاز الأمن العام اللبناني مساعٍ ؛ للتوصل لنزع فتيل التوتر الذي يشهده لبنان في أعقاب أحداث الاشتباكات المسلحة التي وقعت بمنطقة الجبل، على نحو أدى إلى سجالات بين القوى السياسية اللبنانية وتوقف مسار العمل الحكومي، حيث يعمل على إقناع الفرقاء السياسيين بتسليم كافة المتورطين في إطلاق النيران المتبادل، إلى الأجهزة الأمنية وترك الأمر بيد القضاء لإزالة الاحتقان السياسي السائد حاليًا.