الجمهور ليس مطالبا بمعرفة كل التفاصيل حول اللاعب وظروفه وعلاقاته، فقط يريده أن يجرى ويحرز الأهداف، ويأتى بالفوز وغير ذلك أمر ثانوى، إذا فاز الفريق يرفع الجمهور اللاعبين والمدير الفنى إلى القمة، وإذا خسر تكون اللعنات، وهو ما نراه على مواقع التواصل، من حسرات على فريقنا وخروجه المبكر من كأس الأمم الأفريقية، بل إن الاهتمام بالتصرفات الشخصية غير المسئولة لبعض اللاعبين جاءت بسبب الأداء السيئ للفريق، والذى انتهى بالخروج المؤسف، فالتصرفات مستهجنة على كل حال، لكنها تتضاعف مع الخسارة، إذا اقترنت بأداء ضعيف يعكس لامبالاة.
الخروج المبكر لفريقنا من كأس الأمم محزن، ضاعف مع أثره حالة اللامبالاة الظاهرة من اللاعبين والجهاز الفنى واتحاد الكرة، ربما جاءت بعض التسرية من التنظيم الجيد للبطولة وحجم ما تم إنجازه من ملاعب وخدمات فى فترة قصيرة، وهى خطوات ربما كنا بحاجة إلى دراستها أكثر والتعلم منها، لتصبح أسلوب عمل مستمر وليس فقط تجهيزات موسمية، كسبنا سمعة جيدة فى تنظيم بطولة دولية، وكانت فرصة للجمهور ليتعرف أكثر على المنتخبات العربية والأفريقية.
هذه الفرصة لم يفوتها الجمهور ليبدى حسرته على مستوى الفريق واللاعبين وهو يشاهد مستويات أفضل من اللعب بين منتخبات أفريقية تفوقت كثيرا وواصلت اللعب وبذلت الجهد. وربما يكون من ميزات البطولة أنها جذبت مشجعين جددا، نراهم على «التايم لاين» يعلقون ولو ببساطة ويبدو من تعليقاتهم أنهم حديثو عهد بالتشجيع. وأى متابع لديه فكرة سوف يلفت نظره حجم التعليقات المتحسرة من مشجعين جدد، انضموا للفرجة بفضل تأثيرات الدعاية العالمية.
محليا أو إقليميا أو دوليا أو قاريا، لم تعد كرة القدم هذه اللعبة الشعبية البسيطة التى تكفيها العواطف والمشاعر، لكنها « بيزنيس» كبير يدور فى فلكه عالم كامل من المصالح والأرباح والخسائر. الجمهور هو نفسه والحماس أيضا، لكن الجمهور اليوم فى ظل عولمة الكرة يصبح قابلا للقياس ومعه الحماس ليتحولا إلى حسابات وأموال وأرقام، واللاعب إحدى أدوات هذا العالم، ليس حرا تماما، فهو ليس اللاعب الذى كان يلهو فى القرية أو الحى، ليمارس متعة شخصية، لكن اللاعب فى الملعب الحديث مصدر دخل وأداة استعراض تجارية.
أى لاعب هو سلعة «قصيرة العمر» رجال الأعمال يشترونه، يبيعونه، يديرونه، ويسلم هو قياده لهم مقابل الوعد بمزيد من الشهرة ومزيد من المال، وكلما نال شهرة أكبر، وكسب أموالاً أكثر، يصبح «أسيراً أكثر»، كما يقول إدوارد جاليانو.. وهى قاعدة تنطبق على كل اللاعبين الكبار «الفرنسى كيليان مبابى والإنجليزى هارى كين والبرازيلى نيمار والمصرى محمد صلاح والأرجنتينى ليونيل ميسى والبلجيكى روميلو لوكاكو والألمانى ليروى سانى والسنغالى ساديو مانى»، وغيرهم من بين أغلى لاعبين فى ملاعب الكرة بالعالم.
كل لاعب من هؤلاء يتحول مع الوقت إلى فاترينة عرض لملابس أو أحذية تيشرتات وبنطلونات، مشروبات وإكسسوارات. وكثيرا ما سادت تعليقات على مواقع التواصل تسخر من ملابس يرتديها صلاح أو ميسى، لكن هؤلاء لا يعرفون أنها دعاية مدفوعة، اللاعب ليس ملكا لنفسه، إنما للنادى والشركات الراعية التى تشترى تحركاته ومظهره، وقبل أسابيع ظهر صلاح بتيشرت يحمل علامة «بلاى بوى» أثار الجدل، مؤيدوه قالوا إنه ضد الإباحية وخصومه قالوا إنه يروج لها، لكن فى كل الأحوال هو يلتزم بعقود واتفاقات تحتمها الشهرة، ويوقعها آخرون يفرضوها عليه، وهذه هى معادلة عولمة الكرة.
وبقدر ما يمنح الجمهور النجومية والاهتمام والحفاوة فإنه يمكن أن ينقلب فى لحظة، إلى لعنة فورا، وخلال شهر واحد تعرض صلاح لأكثر من انتقاد، بعضه مفهوم، بسبب سوء تقدير وبعضه غير مبرر، لكنه تحول بعد الخسارة هو وباقى أعضاء الفريق إلى مجال للسخرية والانتقاد من جمهور كان يراهن على فوز أو لعب جيد فلم يجد غير الحسرة، ولهذا كان العقاب فوريا.