المتابعون لمباراة الجزائر وكوت دى فوار، سوف يلاحظون كيف كان يقاتل محاربو الصحراء فى الملعب على كل كرة، كيف تشعر وأنت تتفرج عليهم أنهم يمتلكون إرادة الفوز والتصميم على إسعاد جماهيرهم، حتى عندما وصلوا إلى محطة ركلات الترجيح أو ركلات المعاناة، واستطاعوا هزيمة كوت دى فوار العنيد والقوى، تحول الانتصار الرياضى إلى ملحمة من العرق والجهد فى محبة قميص المنتخب، وهو منتهى الشعور الوطنى والإحساس بالمسؤولية والرجولة الحقة، ولذا انتقل الشعور فورا من لاعبى المنتخب الجزائرى إلى عموم المواطنين والمشجعين من القاهرة إلى مختلف المدن الجزائرية، وكأن انتصار الفريق الوطنى عيد وطنى كبير.
الفوز فى مباراة كرة قدم حقق على الأرض أكثر مما حققه كل السياسيين والقوى المدنية هناك، جمع أبناء الشعب الجزائرى حول علم بلادهم، وكانت المسيرات والمظاهرات وأرتال السيارات فى شوارع المدن الجزائرية لها معنى مختلف عن أى مظاهرات سياسية سابقة، فقد كانت بطعم محبة الوطن ورفع علمه عاليا، تراجعت كل الخلافات السياسية وذابت الفروق الاجتماعية وتناسى الناس المعاناة بسبب الغلاء أو ما شابه، وتوحدوا فى سعادة غامرة وراء فريقهم الوطنى، يملؤهم الشعور بالفخر، إذن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل هى صناعة وطنية استراتيجية ووسيلة من أهم وسائل المواجهة فى الحروب الحديثة.
هل يمكننا أن نتعلم من الدرس الجزائرى فى بطولة أفريقيا الحالية؟ نعم، استطاعت الأجهزة المصرية المعنية تحقيق نجاحات كبرى من وراء البطولة، بدءا من تدعيم صورة البلد فى الخارج، وكيف يستطيع تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى فى وقت قياسى، وتوطين تكنولوجيا حديثة فى تنظيم البطولات الرياضية مثل نظام الحجز والتسويق الإلكترونى وتطوير الاستادات والبنية التحتية للملاعب، والقضاء تماما على السوق السوداء، وكذا القضاء على أى محاولة لإثارة الشغب والخروج عن الروح الرياضية أو إدخال أى مواد ممنوعة إلى الملاعب، ولكن سقط منا العنصر المهم الغالب، سقط المنتخب الوطنى الذى كان يمكن أن يكمل النجاح ويدخل الفرحة على قلوب أكثر من مائة مليون مصرى فى الداخل والخارج، لكنه بدلا من أن يجمع شملهم حول محبة بلدهم، ويتجاوز بهم مطبات كثيرة، خذلهم بأداء باهت غير مفهوم وروح غائبة واستهتار لا يمكن تبريره، للاعبين وجهازهم الفنى وجميع المسؤولين عنهم.
لا ينبغى السكوت أو الطرمخة على ما حدث فى بطولة الأمم الأفريقية من استهتار وتسيب وسوء اختيار لكل العناصر الممثلة لبلدنا، ولكن فى الوقت نفسه يجب ألا تشغلنا شهوة الانتقام من الفاسدين والمتخاذلين عن بناء فريق قوى قادر على المنافسة، ويمتلك الروح الوطنية والحماسة والقدرة على القتال حتى آخر نفس لرفع علم بلدنا عاليا، وكفانا تهاونا فى مصالح البلد وتقديم المصالح الشخصية عليها.
إدراك أن كرة القدم هى صناعة اقتصادية من الدرجة الأولى، وجبهة للمواجهة فى الحروب الحديثة، يجعلنا نفكر جيدا فى انتخاب أفضل العناصر البشرية والتنفيذية فى كل مجال من مجالات اللعبة، وحتى يتحقق ذلك لابد وأن نفكر فى المدرب الوطنى المخلص والقدير الذى يستطيع أن يتولى شؤون المنتخب الأول وتحت يده مجموعة من أفضل العناصر على رؤوس المنتخبات الأولمبى والشباب، على أن يكون هذا الفريق الفنى معنيا بالتخطيط لكل المسابقات التى تشارك فيها مصر، بمنتخبات قوية قادرة على انتزاع البطولات، وحتى يتحقق ذلك لابد من مواجهة كل أشكال الفساد والإفساد، وأولها الواسطة والمحسوبية وزرع العناصر غير المؤهلة فى الأجهزة الفنية بدواع غريبة ليس لها علاقة بالكرة.
يا جماعة الخير، يا أصحاب القرار، كرة القدم جبهة ساخنة جدا، وعليكم أن تعملوا على الانتصار فيها، لأن لديكم كل عوامل الانتصار، ولأن الانتصار فيها يغنيكم عن جبهات كثيرة أخرى مفتوحة عليكم، ويسمح للبلد أن يتنفس وأن يعمل وينتج، ويكفى أن تقارنوا بين إنتاج شعب متماسك يشعر بالانتماء وشعب آخر محبط يملؤه شعار «مفيش فايدة»، بالتأكيد النموذج الأول أقدر على الإنتاج فى جميع المجالات، كما أن جهازه المناعى أكثر قدرة على صد فيروسات الحروب الحديثة مثل الشائعات وأشكال الحروب النفسية والفبركات التى تجيدها خلايا الإخوان ومجموعات الحروب الإلكترونية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة