لا يمكن أن تظل جرائم تنظيم الحمدين السياسية والاقتصادية طى الكتمان طوال الوقت، ولا يمكن أن يستمر موال شراء سكوت الصحف والمحققين لأجل غير مسمى، فهناك فى العالم صحف لا تقبل البيع وكتاب لا يؤجرون أقلامهم لمن يدفع، وفى هذا السياق يتفرج العالم على نتائج فضيحة تنظيم الحمدين وبنك باركليز البريطانى الشهير، وهى الفضيحة التى بدأت فصولها عام 2008، واستمرت التحقيقات السرية والعلنية فيها أكثر من 5 سنوات.
صحيفة الجارديان البريطانية نشرت تقريرا مؤخرا أشار إلى أن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى SFO البريطانى قدم أدلة وتسجيلات صوتية جديدة للقاضى المسؤول عن قضية بنك باركليز المتورط فيها أربعة من كبار مسؤولى البنك البريطانى، بالإضافة إلى حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطرى السابق.
الأدلة الجديدة تتضمن نصوص مكالمات هاتفية ورسائل بريد إلكترونى تكشف ما دار فى الاجتماعات مع حمد بن جاسم أو مستر «إتش بى جى»، وكذلك اللقاءات مع مسؤول الشؤون القانونية فى شركة «قطر القابضة» آنذاك، أحمد السيد، الذى يشغل منصب رئيس هيئة المناطق الحرة بقطر، وكيف تم فى هذه الاجتماعات الاتفاق على ضرورة إبقاء علاقة بن جاسم بالبنك فى حيز السرية من خلال شركة «تشالنجر يونيفرسال ليميتد» التى قام بإنشائها خصيصاً فى جزر فيرجن أيلاندز، للاستحواذ على أسهم فى بنك «باركليز» بقيمة عدة مليارات من الإسترلينى.
وكشفت الأدلة الجديدة كيف تم استخدام شركة قطر القابضة لكى تكون مضخة لاستثمارات جديدة فى بنك باركليز عام 2008، على أن تذهب الأرباح وحصص من أموال البنك لشركة حمد بن جاسم فى جزر فيرجن أيلاندز التى تعتبر ملاذا آمنا لغسيل الأموال والتهرب الضريبى.
جلسات نظر القضية كشفت فضائح حمد بن جاسم، وكيف طلب عمولات سرية من بنك باركليز وعندما أخبره مسؤولو البنك أنهم لا يستطيعون منحه العمولات بشكل شخصى، طالبهم أن يحولوا الأموال لشركة قطر القابضة، على أن يحصل عليها بمعرفته، أو بأساليبه الخاصة، على اعتبار أن أموال الشعب القطرى هى أموال مستباحة لتنظيم الحمدين يمكن أن يمدوا أيديهم إليها فى أى وقت وأينما كانت، فى بنك أو فى شركة عامة أو خاصة، كما يمكن أن تذهب إلى الحسابات الأمريكية أو لتمويل الصفقات القذرة وميليشيات الإرهاب فى المنطقة.
كبار مسؤولى البنك وعلى رأسهم المتهمون الأربعة الكبار، وهم المدير التنفيذى السابق جون فارلى، وروجر جنكنز رئيس مجلس إدارة وحدة التمويل الاستثمارى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمديران السابقان توماس كالاريس وريتشارد بواث، قرروا التستر على أوضاع البنك ورفض عرض الإنقاذ من الحكومة البريطانية، لأن قبوله يعنى تخفيض مخصصاتهم المالية أكثر من 60 بالمائة، وكان الحل الذى توصلوا إليه التفاوض مع «إتش بى جى» أو حمد بن جاسم المسؤول الأول عن الصندوق السيادى القطرى، ليكون بديلا عن الحكومة البريطانية، لأن حمد بن جاسم لن يكون له شروط مشددة على البنك أو يطالب مسؤوليه بالتقشف، وهو المعروف أصلا بعملياته المشبوهة فى الأسواق المالية العالمية وتورطه فى قضايا عديدة لغسيل الأموال وتمويل جماعات الإرهاب، فضلا عن علاقته الوثيقة بعدة أجهزة استخبارات غربية توفر له مظلة الحماية وحرية الحركة وعقد الصفقات مقابل تمويل الأنشطة الإرهابية فى العراق وسوريا وليبيا وشمال سيناء.
وبدأت بالفعل عمليات التفاوض بين عصابة الأربعة فى بنك باركليز ومستر «إتش بى جى» التى كان مسارها الرئيسى ضخا متبادلا للأموال بين البنك وحسابات إتش بى جى وكبار مساعديه، واستمرت هذه المفاوضات أشهر عدة حتى انتهت إلى صفقة من أغرب الصفقات المالية، ويتم بمقتضاها تقديم قطر القابضة قرضا قيمته 12 مليار دولار للبنك مع اقتطاع نحو 200 مليون دولار عمولات مشتركة، ومن هذا المبلغ نفسه تحصل الحكومة القطرية على قرض قيمته 3 مليارات دولار من بنك باركليز بفائدة مرتفعة مقابل نسبة من أسهم البنك، لإنعاش سياسات البنك المالية وغسيل سمعته فى الأوساط العالمية، ولكن تكلفة هذا القرض الثانى 322 مليون دولار تصب كلها فى حسابات «إتش بى جى» أو الفاسد الأكبر.
ووفق هذه الصفقات التى تدخل تحت بند الاحتيال والتلاعب، فاز الرباعى الفاسد فى إدارة البنك ومعهم حمد بن جاسم ومساعدوه فى الصندوق السيادى القطرى بعمولات كبيرة، لكنهم تستروا على الأوضاع المتردية للبنك وعرضوا حسابات مئات الآلاف من العملاء وصغار المساهمين للخطر، وارتكبوا جريمة التحايل على سوق الأسهم والمستثمرين الآخرين حول كيفية دفع 322 مليون جنيه إسترلينى إلى قطر كعمولات سرية مقابل إيداع دفعات مالية عاجلة بقيمة تصل إلى 12 مليار جنيه إسترلينى فى بنك باركليز عام 2008، كما أوقفوا عملية إنقاذ حقيقية وشفافة كان يمكن أن تقوم بها الحكومة البريطانية من أجل مصالحهم الشخصية، وهى الحيثيات التى يحاكمون بسببها أمام القضاء البريطانى، وبالطبع سيأتى وقت يطالب فيه المدعون بمثول حمد بن جاسم ومساعديه أمام المحكمة، وإن غدا لناظره لقريب.