ما أن تهبط قدماك فى قلب مدينة المنيا إلا وتشعر بأنك قد عدت بالزمان إلى الخلف لنحو 597 عاما، فور رؤيتك لمشهد مسجد "الوداع " أو "العمراوى"، كما يحب أن يلقبه بسطاء الأهالى، ومن خلفه الجبل الشرقى، فهو تحفة معمارية يصعب تكرارها فى تلك المحافظة ومراكزها التسع ككل.
إذ يُرجع الأثريون المسجد إلى أنه من أوائل المساجد التى بنيت بالمدينة، ويؤكد البعض الآخر أنه أول مسجد بُنى بالفعل بها لتأريخه الأقدم بين نظائره، فيما يُشير المرسوم الضريبى بمدخل المسجد إلى أنه من عصر السلطان "جقمق" وتاريخ إنشائه 843 هجريًا، وهو المعروف بالعصر المملوكى الجركسي.
ويروى لنا الأثرى مجدى عبد الله، مدير المنطقة الشمالية لآثار المنيا الإسلامية والقبطية، تاريخ المسجد قائلًا: "يعد مسجد الوداع أحد الكنوز الأثرية الإسلامية الهامة بالمحافظة، فهو شاهد على التاريخ بالمحافظة، خاصة موقعه المتميز فى وسط المدينة"، مشيرًا إلى أنه سمى بهذا الاسم لوجوده على مسافة مترات قليلة من كوبرى النيل الذى كان كان يستخدم للعبور إلى الجانب الشرقى لدفن الموت، وكان يقوم المشيعون بتأدية صلاة الجنازة به ويودعون ذويهم، بينما أطلق عليه فى القرون الماضية اسم "العمراوى" نسبة إلى عمر بن العاص صاحب أقدم مسجد بمصر.
وأشار عبد الله لـ"اليوم السابع" إلى أن أقدم توثيق عُثر عليه لهذا المسجد هو المرسوم الضريبى من عصر السلطان "جقمق" ومؤرخ فى (843 هجريا- 1439 ميلاديا)، وهو عصر مملوكى جركسى، إذ بنى المسجد على الطراز الإسلامى القديم، فهو يتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به 4 أروقة، أكبرها رواق القبلة وبه ملحقات مثل المقصورة والمئذنة، غير أن المسجد غير منتظم الأضلاع، ومنخفض عن الشارع لارتفاع منسوب الأرض المحيطة، والواجهة الغربية تمثل واجهة المسجد والمدخل الرئيسى، والمأذنة ودورات المياه، وتحتوى واجهته على صفين، وجميعها على يمين المدخل الرئيسى، بجانب صف من الشرفات المسننة، وفى الواجهة البحرية يتوسطها المدخل الشمالى، وعلى يمين ويسار المدخل يوجد 3 أكتاف بارزة فى كل جانب، كما يوجد بتلك الواجهة مستويين من النوافذ، فى كل من المدخل 3 نوافذ مستطيلة، يعلو كل منها دخلة مستطيلة بها نافذتان معقودتان.
واستطرد: أكثر ما يثير إعجابك فى وسط المسجد وجود أقدم أداة التوقيت النهارى التى عرفها المصريون لتحديد مواعيد الصلاة وهى ما يسميه الأثريون بـ"المزولة"، والتى تم وضعها عام 1163 هجريًا بالمسجد، وهى تتكون من قطعة رخام يتم تعليقها بأحد أركان المسجد، وبها عدة خطوط مرسومه بشكل ملتوى، وفى وسطها عصا مستقيمة أفقية يتحدد الوقت من طول الظل الناتج من أشعة الشمس عليها، ويتم تحديد مواقيت الصلاة من خلالها طوال اليوم.
واستكمل عبد الله: تم تقسيم الناحية الشرقية للمسجد إلى جزئين، أحدهما خاص بالرواق الشرقى للمسجد، وبه 4 دخلات مستطيلة أعلى الواجهة، والأخرى خاص بالمقصورة وبه من الأسفل فتحة نافذة مستطيلة يعلو الفتحة يعلوها دخلها مستطيلة أخرى بها نافذتين، أما الناحية الجنوبية، فهى تمثل واجهة رواق القبلة والمقصورة، ويوجد برواق القبلة 3 مستويات من النوافذ، ويوجد بالسفلى 3 فتحات مستطيلة يعلو النافذة الشرقية والغربية دخلة مستطيلة، وفى كل جانب نافذتين معقودتين بعقد مدبب، بينما يوجد فى واجهة المقصورة فتحة نافذة يعلوها دخلة مستطيلة بها نافذتين معقودتين، بينما تم ضم المسجد للآثار فى التقرير رقم 710 لسنة 1936م.
وأوضح مدير آثار المنيا الشمالية أن أقدم التجديدات التى جرت بالمسجد كانت على يد الأمير مصطفى كاشف، وهو أمير اللواء السلطانى "مصطفى بك شاهين" كما ورد بوثيقة الوقف، وكما هو مدون أعلى الباب الرئيسى للمسجد وذلك فى عام 1149 هـ.