كان حفل ختام بطولة كأس الأمم الأفريقية مبهرا وبسيطا كما توقعنا ، وكانت كلمات أغنية الختام تستدعى كثيرا من الذكريات والمواقف التى مرت بنا خلال السنوات العشر الماضية ، فتدفع الدموع للعيون ، هل كان مخطط لنا فعلا أن نكون ضمن الدول الفاشلة ؟ هل واجهنا فعلا شبح الحرب الأهلية ؟ هل عجز سياسيونا مع نهايات 2010 عن التعامل مع ما يراد لنا خارجيا وداخليا؟ هل تركنا الجماعة الإرهابية تنمو وتتمدد مثل الثعابين فى أحضاننا حتى خرجت من شقوقها وانتزعت البلد وصورت أعضائها باعتبارهم أبطال لثورة 25 يناير؟ وهل دخلنا فى الدوامة السوداء أربع سنوات حتى واجهنا الإفلاس والجوع والانهيار فى جميع المجالات حتى وصل بنا الحال أن يتم تهريب أسرار الأمن القومى المصرى إلى تنظيم الحمدين فى قطر لتذهب بعد ذلك إلى أعدائنا التقليديين وغير التقليديين؟
كانت كلمات أغنية الختام تتتابع «أحلامنا مالت للغروب على أرضنا إنت وأنا، قالوا خلاص مش هتقوم لينا قومة تانى كلنا وأدينا النهاردة عاملنا اللى قالوا عليه مستحيل .. وأدينا النهاردة بنبنى حلم لبكرا وجيل بعد جيل « ، ومع الكلمات المؤثرة كانت تتداعى الذكريات على أذهاننا ،عام الإخوان الأسود وثورة 30 يونيو ودعم قوى الاستعمار الجديد للجماعة الإرهابية بدعوى حماية الديموقراطية ، الحصار الاقتصادى غير المعلن ، تعليق العضوية فى الاتحاد الأفريقى ، والضغوط تتزايد علينا مع توجيه السهام المسمومة من كل ناحية ، سهام الإرهاب الأسود ، سهام الدعاية البغيضة ، سهام الشائعات التى تسعى لكسر نفوس المصريين وإحباطهم وتيئيسهم وهدم مؤسسات الدولة فى أخطر اللحظات المفصلية ، لحظات النهوض من جديد بعد التدمير الممنهج طوال سنوات.
بعد هذه اللحظات العسيرة ، وبعد إصرار المصريين على المواجهة ، خضنا تحديا مع أنفسنا الإصلاح الأوضاع الاقتصادية وتحملنا الغلاء بصبر ونحن نرى البلد يضمد جراحه ويستعيد عافيته شيئا فشيئا وتعود الدولة من حافة الإفلاس والفوضى إلى صورتها الأولى كدولة مستقرة قادرة على مواجهة ما يراد لها ، أساطيلها فى البحار الشمالية تحمى ثرواتها الطبيعية وأساطيلها الجنوبية تحمى مصالحها الاستراتيجية فى باب المندب والمحيط الهندى والبحر الأحمر، تدفقات الاستثمار والسياحة تتواصل والعالم يشيد بتجربة الإصلاح الاقتصادى المصرية ، كنموذج للدول الناهضة فى أفريقيا ، وتتولى القاهرة رئاسة الاتحاد الأفريقى خلال سنوات قليلة بعد المقاطعة ويندحر الإرهاب فى شمال سيناء وفى المنطقة الغربية والجنوب بفضل يقظة الجيش والشرطة ، ويلجأ الكاف إلى الدولة المصرية لتنظيم البطولة الأهم أفريقيا والثالثة على مستوى العالم ، بعد اعتذار الكاميرون ، وخلال شهور قليلة فقط تثبت الدولة المصرية أنها تمتلك أعلى قدرات تأمينية وتنظيمية لبطولة مراقبة من العالم كله.
نجلس فى الحفل الختامى لبطولة كأس الأمم الأفريقية التى فازت بها الجزائر الشقيقة ، وتتأكد أمام عيوننا وعيون العالم ، أن ما تحقق أكبر من نجاح فى تنظيم بطولة رياضية مهمة ، ما تحقق كان إرادة دولة تسعى للنهوض والنجاح فى جميع المجالات ، ولم يكن ممكنا أن تستقبل بلادنا مئات الآلاف من المشجعين والضيوف وكبار المسئولين من 24 دولة أفريقية خلافا للدول الأوربية والمراقبين من كافة الدول الأخرى ، إلا لو كان لدينا تجهيزات أمنية عالمية ورجال يعرفون دبة النملة ويستطيعون احتواء أى بوادر خطر قبل أن يلوح حتى فى الأفق.
ولم يكن ممكنا أن يتم تصميم وتشغيل سيستم حجز وتسويق تذاكر البطولة وتجهيز الاستادات فى 5 مدن مختلفة إلا لو كان لدينا مجموعات عمل مهنية على أعلى مستوى ، وعندما أقول على أعلى مستوى ، أشير مباشرة إلى المونديال الأخير فى روسيا الذى شهد طفرة تنظيمية باستخدام تكنولوجيا الأمن والمعلومات ، وكذا التنظيم والتسويق المبهر للدوريات الأوربية الكبرى.
ولم يكن ممكنا أن تفخر بهذه البطولة جميع الدول الأفريقية ، إلا لو كان لدينا القدرة والاستعداد الكافيين لاستقبال المشجعين والضيوف بمحبة وترحيب حقيقى وإشعارهم بأن أفريقيا عادت لمصر ومصر عادت لأفريقيا ، الأمر الذى سينعكس فى المدى المنظور على علاقات سياحية وتجارية وتعاملات بين القاهرة وعديد من الدول الأفريقية لم تكن بينها تعاملات على المستوى المأمول.
بطولة كأس الأمم الأفريقية ، هى بطولة المصريين ونجاحاتهم خلال السنوات الصعبة ، بطولة قدرتهم على تجاوز المصاعب والإصرار على النهوض، ورغم خروج منتخبنا الوطنى لأسباب تخص القائمين على هذا القطاع ، فإن المصريين كلهم يستحقون الإشادة على نجاحهم فى إنجاح هذا الحدث العالمى الكبير.. مبروك لمصر.