تمضى السنوات ويمر الزمن بأحداثه ووقائعه ومتغيراته، وتظل ثورة 23 يوليو 1952 أم الثورات المصرية والعربية عالقة فى الأذهان، وساكنة فى الوجدان، بأهدافها ومبادئها وغاياتها وإنجازاتها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فى مصر والوطن العربى، وأفريقيا وآسيا.
فـ"يوليو" لمن تكن مجرد ثورة بأهداف ومبادئ ستة فقط، بل مشروع وحلم استقلال وطنى وتحرر وبناء وتنمية وعدالة اجتماعية تسعى مصر وشعبها بل والشعوب العربية إلى تحقيقه.. فالغايات التى سعت 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر إلى إنجازها هى أوسع وأشمل وأكبر من الأهداف والمبادئ التى تحقق منها البعض فى إزالة الاستعمار الأجنبى والقضاء على الاستعمار واحتكار رأس المال للسلطة وفسادها، وبداية مشروع البناء والعدالة الاجتماعية ومازال البعض الآخر تهفو وتسعى إليه الشعوب.
البطولة الحقيقية فى ثورة يوليو تحسب للشعب المصرى ولزعيمها وشعبيته الطاغية فى أرجاء المعمورة طوال فترة الخمسينات والستينات، وكما جاء فى "الميثاق الوطنى"، أن تقوم ثورة بأحداث التغييرات الجذرية فى مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتتحول إلى ثورة عربية وأفريقية داعمة لرغبات الشعوب ونضالها فى التحرر الوطنى ونقطة انطلاق للعمل العربى المشترك والدعوة للوحدة العربية ومؤسسة لحركة عدم الانحياز ومواجهة الأحلاف السياسية للقوى الكبرى فى المنطقة،ودون أن يقف وراءها حزب أو تنظيم سياسى، فإن ذلك دليل بطولة الشعب الذى وقف خلف قيادته بوعى وإصرار وتضحية، ودليل نجاح زعيمها فى قيادة الثورة وثقته فى شعبه الذى اعتبره دائما "المعلم الأكبر".
لا يمكن الاحتفال بثورة 23 يوليو فقط من باب الذكرى والحنين وإنما باعتبارها نموذج مازال حيا ومعاشا على الرغبة فى التغيير ورفع رايات الأمل فى غد أفضل للحرية والانتصار والعمل والتنمية وهو ما تعمل من اجله مصر الآن بعد ثورة 30 يونيو 2013 التى أعادت لمشروع يوليو انطلاقة جديدة فى عصر جديد ولكن بنفس الروح والرغبة والعزيمة على اعادة مصر داخليا وخارجيا إلى مكانتها ودورها الطبيعى وامتلاك مصيرها ومقدراتها بأيدى شعبها وتضحيات أبنائه.
ليس الاحتفال هو حنين إلى 23 يوليو لكنه رسالة بأن الثورات فعل نضالى مستمر، تتواصل ولا تتقاطع، تتكامل ولا تتجاهل، فـ"يوليو" ذاتها كانت تعبيرا ثوريا لمجمل كفاح الشعب المصرى فى سبيل الحرية والنجاة والاستقلال منذ الثورة العرابية وثورة 19 ومطالبات فئات الشعب المختلفة بحرية الوطن وإزالة الاستعمار، رسالة بأن رسالة ومشروع يوليو هو مشروع وطنى مستمر تعمل على تكملة مشوارة 30 يونيو، وهذه هى عظمة ثورة يوليو المجيدة ودورها فى التاريخ الوطنى ودور جيشها الوطنى فى تحقيق طموح الشعب وحلمه.
الحاضر الآن على طريق الماضى ومشروعه وفكرته وغاياته، و30 يونيو هى صورة مشرقة أخرى وحلم جديد لغاية الثورة الأم، ثورة 23 يوليو، فتحية للثورة فى عيدها وتحية للثوار والأبطال وتحية لجيش مصر الباسل ولشعبها العريق.